إذا كان للعالم أن يبحث عن نموذج متقن في فن التعاطي مع الأصدقاء، الأشقاء، وحتى الأعداء، فإن المملكة العربية السعودية تقدم مثالًا فريدًا قلّ نظيره. فمنذ تأسيسها وحتى اليوم، انتهجت المملكة نهجًا يقوم على الحكمة، التوازن، وحسن الظن، متجاوزة تقلبات السياسة وتعقيداتها لتقدم للعالم درسًا بليغًا في إدارة العلاقات. لقد تعاملت القيادة السعودية عبر عقود مع مختلف الأطراف بنهج ثابت: الصديق يُكرم، الأخ يُساند، والعدو تُمنح له الفرصة لإعادة التفكير. لم يكن هذا النهج مجرد استجابة لحالة سياسية آنية، بل هو إستراتيجية متجذرة في عمق الهوية السعودية، ترتكز على الحلم، الصبر، وعدم الانجراف وراء الانفعالات الآنية. حتى مع من يحمل خصومة، فإن المملكة لا تغلق الأبواب، بل تترك نافذة للحوار، لأن السياسة ليست ميدانًا للثأر، بل ساحة للفعل والبناء. والسؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا كأفراد ومجتمع: لماذا لا يكون نهج المملكة نهجنا في حياتنا اليومية؟ لماذا لا نكون مثلها في تعاملاتنا، فنحسن الظن، نعفو، نفتح أبواب التفاهم، ونتجنب الحقد والكيد والخصومة العقيمة؟ تخيل مجتمعًا يتعامل بهذه القيم، حيث الصديق يجد التقدير، والأخ يجد العون، والعدو يجد فرصةً ليصبح صديقًا. تخيل بيئة تُدار بالعقل، بالحكمة، بالصبر، بعيدًا عن الصخب والضجيج والانفعالات التي تهدم أكثر مما تبني. نجاح المملكة في سياستها الخارجية لم يأتِ من فراغ، بل من إيمانها بأن القوة الحقيقية ليست في العناد، بل في المرونة، ليست في التصعيد، بل في ضبط النفس، ليست في تصيد الأخطاء، بل في منح الفرص. فلتكن المملكة نموذجًا ليس فقط في السياسة، بل في حياتنا اليومية. حين نتعامل بحكمة، حين نُقدّر كل شخص وفقًا لظروفه، حين نتجاوز الصغائر ونعمل على بناء الجسور لا هدمها، فإننا لا نكسب فقط القلوب، بل نبني لأنفسنا حياة أكثر راحة وسكينة. المملكة اليوم ليست فقط قوة سياسية، بل درسًا يجب أن يُقرأ جيدًا، ليس من السياسيين فقط، بل من كل فرد في هذا المجتمع.