رئيس جمهورية جزر القمر يُغادر جدة    بلدية محافظة المذنب تزين الميادين والطرق لعيد الفطر المبارك    أكثر من 123 مليون كيلوجرام واردات المملكة من الشوكولاتة خلال عام 2024    عبدالعزيز بن سعود يقف على سير العمل في مركز عمليات أمن المسجد الحرام    "الرياض" ترصد إدارة الحشود في ليلة 29    منصة "بصير" تعزز أمن وإدارة حشود المعتمرين والمصلين بالمسجد الحرام    تجمع الرياض الصحي الأول يُطلق حملة «عيدك يزهو بصحتك»    محافظ صبيا يتوج الفائزين في نهائي بطولة الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز لكرة القدم    المملكة توزّع 850 سلة غذائية في محلية هيا الجديدة في السودان    القبض على (3) باكستانيين في الرياض لترويجهم (5.3) كجم «شبو»    حكاية كلمة: ثلاثون حكاية يومية طوال شهر رمضان المبارك كلمة – الجَبَنَة    "البيئة": تسجيل هطول أمطار في (6) مناطق ومكة المكرمة الأعلى كميةً    من الصحابة.. أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها    مدير عام تعليم المدينة المنورة يتفقد أعمال المركز الرمضاني والكشافة    المبادرة السعودية تنجح في إنهاء الخلافات السورية اللبنانية    كسوف جزئي للشمس غير مشاهد بالمملكة غدًا    محافظ صبيا يعزي رئيس مركز العالية في وفاة والده    ولي العهد يبحث مع البرهان أوضاع السودان    رئيس المجلس العسكري في ميانمار يطلب مساعدات بعد الزلزال المدمر    أبرز العادات الرمضانية في بعض الدول العربية والإسلامية.. دولة الصومال    الدولار يهبط وسط ترقب للرسوم الجمركية الأمريكية    رئيس مجلس السيادة السوداني يصل إلى جدة    الإصابة تضرب أولمو في برشلونة    "سوليوود" يُطلق استفتاءً لاختيار "الأفضل" في موسم دراما رمضان 2025    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد الرميلة على الطراز النجدي    في "بسطة خير السعودية".. الذكريات محفوظة بين غلافي "ألبوم صور"    بطولة المملكة لكرة القدم للصالات للصم تقام بالقطيف منتصف أبريل    "تصفيات كأس أمم آسيا للسيدات 2026".. باكورة مشاركات "أخضر السيدات" الرسمية    السعودية تؤكد دعمها لكل ما يحقق أمن واستقرار سوريا ولبنان    تطوير خدمتي إصدار وتجديد تراخيص المحاماة    البكيرية تستعد للاحتفال بعيد الفطر المبارك    إمام المسجد النبوي: رمضان يرحل وزكاة الفطر تكمل فضل الطاعات    وفاة الدكتور مطلب بن عبدالله النفيسة    هل تسير كندا والمكسيك نحو التحرر من الهيمنة الأمريكية؟    ديوكوفيتش يتأهل لنصف نهائي ميامي المفتوحة    أمانة الشرقية تزرع 5 آلاف شجرة و 10 آلاف وردة احتفاءاً بمبادرة السعودية الخضراء    أمانة تبوك وبلدياتها التابعة تهيئ أكثر من 170 حديقة وساحة وواجهة بحرية    جروندبرج: تحقيق السلام باليمن ضرورة ملحة لاستقرار المنطقة    أمران ملكيان: خالد بن بندر مستشارًا في الخارجية والحربي رئيسًا للجهاز العسكري    مختص ل"الرياض": انتظار العطلات سعادة    "أوتشا" تحذّر من الآثار المدمرة التي طالت سكان غزة    ألونسو ينفي الشائعات حول مستقبله مع ليفركوزن    تجمع جدة الصحي الثاني ينفذ حملة "صُمْ بصحة" لمواجهة الأمراض المزمنة    أكثر من 70 ألف مستفيد من برامج جمعية الدعوة بأجياد في رمضان    يوم "مبادرة السعودية الخضراء".. إنجازات طموحة ترسم ملامح مستقبل أخضر مستدام    "مستشفيات المانع" تُطلق أكثر من 40 حملة تثقيفيةً صحيةً خلال شهر رمضان المبارك لتوعية المرضى والزوار    المحكمة العليا تدعو إلى تحري رؤية هلال شهر شوال مساء يوم السبت ال29 من شهر رمضان لهذا العام 1446ه    حرائق كوريا الجنوبية ..الأضخم على الإطلاق في تاريخ البلاد    سوزان تستكمل مجلدها الثاني «أطياف الحرمين»    تكثيف الحملات الرقابية على المسالخ وأسواق اللحوم والخضار بحائل استعدادًا لعيد الفطر    محادثات الرياض تعيد الثقة بين الأطراف وتفتح آفاق التعاون الدولي.. السعودية.. قلب مساعي السلام في الأزمة الروسية الأوكرانية    تحدٍ يصيب روسياً بفشل كلوي    إطلاق مبادرة "سند الأبطال" لدعم المصابين وذوي الشهداء    مطبخ صحي للوقاية من السرطان    أنامل وطنية تبهر زوار جدة التاريخية    حليب الإبل إرث الأجداد وخيار الصائمين    عهد التمكين والتطور    ذكرى واستذكار الأساليب القيادية الملهمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من نقائض جرير والفرزدق إلى مقدمة ابن خلدون
نشر في الوطن يوم 08 - 12 - 2024

للمفكر البحريني (الدكتور محمد جابر الأنصاري) مقولة على هيئة تساؤل هي:«أما آن أوان الانتقال من نقائض جرير والفرزدق إلى مقدمة ابن خلدون؟». وهو تساؤل يبطن وفق منظور المدلول الرمزي له أكثر مما يظهر مما يشاكل العقل العربي الذي لا يزال متشبعاً بما لا يجعله عقلاً منتجاً وفاعلاً في بنية النظريات التي صنعت الأفكار وما ترتب عليها ونبع منها من أدوات الحضارة المعاصرة.
الأنصاري مهموم بقضايا الأضداد في الفكر العربي الإسلامي، وله كتاب ضخم بهذا الاسم هو (الفكر العربي وصراع الأضداد)، صدرت أول طبعة منه في منتصف عام 1996، كما أنه صاحَب ابن خلدون: دراسة ومشاكلة واستشكالاً واستنتاجاً على مدى زمني ليس بالقصير.
التقابل في مقولة الأنصاري بين كل من جرير والفرزدق من جهة، وابن خلدون من جهة أخرى لا يقصد منه شخوصهم على نحو مباشر، بل القصد استصحابهم ترميزاً لما تشف عنه المقولة من نقد جذري لأسس بنية الفكر العربي الإسلامي.
جرير والفرزدق يمثلان بنية الفكر العربي الذي كان عليه منذ عهد الجاهلية، مروراً بفترة الإسلام الذي جاء لنقض تلك البنية وإعادة ضبطها نحو تمثل مسار عالمي يأخذ الإنسان بمطلقه كمعيار للحكم، إلا أن البنية عادت في العهد الأموي إلى سابق عهدها.
ما هي البنية الفكرية التي يمثلها كل من جرير والفرزدق، والتي يطمح د. الأنصاري إلى أن يتجاوزها الفكر العربي، وصولاً إلى بنية الفكر الخلدوني؟
إنها بنية النقائض العاطفية المجردة التي بالإضافة إلى تأخرها وتقزيمها المجال المجتمعي لا تقوم على أساس حقيقي، بل على مجرد توهمات يولدها العقل البدائي القائم على الفخر والهجاء. الفخر بالذات وهجاء الآخر. بالإضافة إلى أن الفخر والهجاء في تلك النقائض لا يقوم على الأقل على أسس إنسانية تنتصر لقضايا الإنسان المجرد، بل العكس من ذلك، تقوم على الافتخار بإذلال الإنسان وقهره ومحو فرديته، والنظر إليه على أنه مجرد ترس في آلة القبيلة على طريقة:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت... غويت وإن ترشد غزية أرشد
لقد ظل هذا الانتفاخ الأجوف خيطاً ناظماً للفكر العربي منذ الزمن الجاهلي وحتى اليوم، لم يختلف خلفه عن سلفه إلا في أدوات الفخر والهجاء. وبمجرد إلقاء نظرة عاجلة على ما تعج به وسائل التواصل الاجتماعي اليوم سنجد أن نقائض جرير والفرزدق لا تزال حية، وأداتها لما تزل كالعهن المنفوش.
جاء الإسلام بقيمه العظيمة التي ركزت على قيمة الإنسان بمطلقه بعيداً عن الهُويات التي تصاحبه منذ لحظة ولادته، فأكرم هذا الإنسان ورفعه إلى أعلى منزلة ممكنة حينها؛ وفي سبيل ذلك، أي سبيل رفعة الإنسان، قمع الإسلام قيم الجاهلية، وسواها بالتراب، وصيّرها بدلاً من أن تكون قيم افتخار واعتزاز، قيم إذلال واحتقار لمن تقوم به؛ حيث صدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله:«إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي. أنتم بنو آدم، وآدم من تراب. ليدعن رجال فخرهم بأقوام، إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن». وهكذا أعلن الإسلام موت القيم الجاهلية حين شبهها بالجعلان التي تدفع بأنفها النتن. وكان منتظراً أن يدفع الزمن العربي الآتي بمزيد من دعم القيم الإسلامية الرفيعة، إلا أن قيم الجاهلية عادت مع بزوغ الفجر الأموي جذعة، فجاءت نقائض جرير والفرزدق مجرد نموذج من عُبية الجاهلية، وراحت القيم الجاهلية تتبارى في الفخر والهجاء بانتفاش أهوج.
من ناحية أخرى، جاءت عقلانية ابن خلدون، لتكرس نظرة واقعية إلى الذات والمجتمع وفق واقعهما في السياق الزمني الذي يتمركزان فيه بعيداً عن أي ادعاءات أو عبيات تضفي هالة من الأوهام التي ظل العقل العربي يختبئ خلفها لمداراة عواره ونكساته. وكان متوقعاً أن تقفز العقلانية العربية التي شع نورها خافتاً زمن ابن حزم، مروراً بابن رشد وابن باجة، ونهاية بابن خلدون، بالعقل العربي للتعامل مع واقعه كما هو، ولتقييم ظواهره الاجتماعية من منظور قوانينها التي تنتظم فيها بعيداً عن ميتافيزيقيات ظلت تأسره بأسرها، خداعاً له، ولواذاً به عن أن يرى قبحياته التي ما فتئت نقائضها تكبله بها.
ونظل من ثم نسأل مع الأنصاري سؤالاً قديماً متجدداً هو: ألم يحن الانتقال بعد من نقائض جرير والفرزدق إلى مقدمة ابن خلدون؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.