في مراحل العلم في حياتنا، وللوهلةِ الأولى، تغمُرنا المعرفة، وتتشغفُ قلوبنا للعلم والبحث والتجريب، لذا نُقرر أن نبحثَ، وأن نتعلم، ونجازف ونواجه العقبات والصعاب، ونستجدي المعلومات ونُصادق الكتب والأرفف ومراكز المعلومات الإلكترونية، نُعانق الوثائق والمصادر ونعشق الآثار، نشعرُ بالسعادة تارةً وبالبكاء تارةً أخرى، عواطف وجدانية متناقضة، تُتعِبُ مشاعرنا، نجمعُ ونبحثُ ونتعلمُ ونتألمُ، كثيرًا ما نصرخ دون أن يسمعُنا أحد، وكثيرٌ ما نصرخ في داخلنا. هناك من يسمعنا بين أروقة المكتبات، وهناك أنين المعرفة، وهناك أمل تحقيق الأحلام يُسايرنا في أيامنا، وتُخفي المستقبل كما لو أن الحلم سراب، ربما، أم لا؟ سرابٌ وحيدٌ خلف الجدران، يُسامرني كتاب التاريخ، حيث يبدو أن العالم تَركني وحيدةً وبقي معي كتابي على ضوء خافت وهدوء وشتاء، ومازلتُ أكتبُ وأبحثُ بين معلوماتٍ شتى وكلماتٍ وأحداثٍ كثيرةٍ جميلةٍ ولكنها قاسية. يظلم الليل وتتساقط الثلوج في مدينتي، ويعمُّ الضباب والبرد القارس ، وبقربي مِعطفي الصوف، ومازلتُ أكتبُ والقمرُ يراقبُ من بعيد، ومع مرورِ الأيام، أنهيتُ رسالتي لوحدي، استعنتُ بربي فأعانني، وأخيرًا انتهيت من لحظاتٍ أخذت من قلبي ووقتي الكثير؛ بكيتُ فيها كثيرًا، وسعدتُ أكثر، وصلتُ متوجةً إلى منصةِ المناقشة. كثيرًا ما أثنوا عليّ وكثيرًا ما وجهوني، وفجأةً أسمعُ أصوات التصفيق والتبريكات، وجملة "وفقك الله، قُبلت رسالتك مع التوصية بطباعتها بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف".