في أثناء لقائه مجموعة من كتاب الرأي الصحفيين، سرد المدير التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية، سلطان الحميدي، بعض قصص النجاح لشبان سعوديين استفادوا من التمويل التنموي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الذي يقدمه البنك، كقصة طبيب أسنان اقترض 7 ملايين ريال لبناء عيادته الخاصة بمحافظة خميس مشيط، وكيف تطور عمله حتى أصبح يعمل لديه حاليا 50 طبيبا سعوديا. وعلى الرغم من أنها قصة نجاح تمس جيبي وجيبك عزيزي القارئ، وجيوب المجتمع بأكمله، بما يعرف بمنهجية SROI أو كم الربح المجتمعي عن كل ريال تم استثماره في هذا المشروع التنموي، بعد احتساب قياس الأثر الاجتماعي بتكلفة اقتصادية على الحياة المجتمعية من حولنا، فإننا لا نجد منصات التواصل الاجتماعي تضج بهذه القصة أو عشرات القصص التي يقف خلفها تمويل تنموي، والسبب ببساطة أننا لا نعي الفرق بين الأثر لمشروع ممول بتمويل تنموي أو ممول بتمويل ربحي. ببساطة لو أن هناك مشروعا مشابها، ولكنه بتمويل تجاري، وقع صاحبه في تستر تجاري لسداد فوائد التمويل المتزايدة، وبغية الأرباح المجردة بغض النظر عن الآثار الضارة الواقعة علينا كمجتمع! لو كانت القصة كذلك لكان الطبيب السعودي مجرد «أراجوز» استخدم اسمه وترخيصه الطبي من قِبل وافدين شغلوا المشروع بأقل التكاليف، وسيكون ال50 طبيبا ومساعديهم والطواقم الصحية وافدين من أبناء جلدتهم بالطبع. فلو كانت مجموع رواتبهم السنوية 10 ملايين ريال، فكم العائد التنموي منها على المجتمع من حولنا؟ أم أن كلها ستذهب لتنمية بلدان أخرى! مثل ذلك التساؤل الصادم الذي طرحه المدرب على الحضور من الشباب السعودي المرشحين لتمويل مشاريعهم الريادية بطريقة تنموية بقوله: «لو سألت أحدكم هل يرغب في أن يكون عاملا في مغسلة أم مهندسا راتبه الشهري يتجاوز ال10 آلاف؟»، ولكن قبل أن تجيبوا هل تعلمون كم من معلم ومهندس في مدينتنا هذه يستلفون حتى موعد نزول الرواتب؟ والسبب بسيط أننا لا نعلم عن منهجية SROI، فالمبالغ التي تخرج من البلد هي نخر في عظم كل شيء مجتمعي من حولنا وليس المال فقط. ما أريد قوله: «ال50 طبيبا السعوديون الذي يعملون في تلك العيادة مهما صرفوا من رواتبهم إلا أنها في النهاية عائدة لنا كمجتمع، فكيف لو صرفت رواتبهم على تعليم أطفالهم في مدارس سعودية، ويأكلون من تاجر الخضار والدواجن السعودي، ويفصلون ملابسهم عند خياط سعودي، فكم نتج عن كل ريال صرفه بنك التنمية الاجتماعية على تلك العيادة؟ لو كانت 7 ملايين فكم هو العائد على الاستثمار الاجتماعي علينا ومن حولنا؟ فقط كونه تمويلا غاياته تنموية يجعلنا نعيش في بيئة مستدامة ليست ربحية، تفتح أبوابها لتاجر أجنبي يضرب ضربته ويهرب! فالسؤال هنا أين منصاتنا الإعلامية من هكذا قصص، حتى يعي أطفالنا قبل كبارنا الفرق بين الربحي والتنموي، وأنه «بالتنمية طبيب أصبح 50 طبيبا».