تعهد في حملته الانتخابية الأولى بأن يجعل المملكة العربية السعودية دولة «منبوذة».. هكذا جاءت خطوات جو بايدن المبكرة للمتاجرة بالعواطف وشحذ نزعات العداء للآخر، والسعي لاعتلاء كرسي الرئاسة في البيت الأبيض الأمريكي، دون أن يستبين ما يقول. لم يستطع الرجل، بالطبع، الإيفاء بتعهده، لأنه اختار التحدي الخطأ، واكتشف -متأخرًا- أن السعودية ليست اللقمة السائغة له، ولا الساحة التي يمكنه إبراز عضلاته في مواجهتها. في أكتوبر من عام 2022، عاد بايدن لتفجير نزعة العداء تجاه السعودية من خلال تهديدها بما سماه «عواقب وخيمة»، كان ذلك عقب قرار تحالف أوبك بلس، القائم على معايير اقتصادية بحتة، بخفض حصص الإنتاج لإعادة التوازن العادل لأسعار النفط. الرجل وضح أنه مضطرب في قراره السياسي، وأن قراءته للساحة الدولية وتوازناتها المستجدة بحاجة للتحديث، كما أن توجهاته للتحشيد ضد أعداء يتوهمهم.. كانت وبالاً عليه وعلى فريقه الذي تخبط معه في أكثر من صعيد. فكانت النتيجة فقدانه فرصة التجديد لإقامته في البيت الأبيض، بعد فقدانه النصير حتى من داخل أروقة حزبه. صحيح أن ملفات عديدة أخرى تحالفت لتطيح بآمال الرجل، بعضها يتعلق بأدائه خلال مناظرته الكارثية مع منافسه ترامب، وبعضها الآخر يتعلق بمدى كفاءته لقيادة أمريكا في سنوات قادمة لا أحد يعرف ما سيواجهه العالم خلالها من تحديات. لكن أكثر ما ظل يقلق الآخرين هو تلك السياسات التي يشوبها التخبط والتسرع في الأسلوب القيادي، والتي لن تجعل الناخب الأمريكي مطمئنًا على مستقبله في ظل نظام يقوده بايدن خلال فترة ثانية من وجوده داخل البيت الأبيض. أراد بايدن أن يجعل من السعودية العدو الوهمي الذي يمكّنه من كسب أصوات الناخبين، مجاهرًا بأنه سيجعلها دولة منبوذة، فنبذه حزبه وجعل أحلامه رمادًا، ثم لوّح بالعواقب الوخيمة على المملكة بعد قرار اتخذه تحالف اقتصادي تمثله أوبيك بلس، ولم يبارح تلويحه مكتبه البيضاوي، دليلاً دامغًا على الرعونة، وانعدام الرؤية والرويَّة في رجل يقود دولة كبرى في عالم اليوم. لم يكن بايدن كفؤًا بالقدر المطلوب لإدارة اللعبة السياسية واختيار حلبات التحدي، فخسر النزال قبل أن يخوضه، وحزم حقائبه لمغادرة الكرسي الثمين.