احتفت وزارة التعليم في الأيام الماضية باختتام برنامج القيادة الواعدة تحت شعار المواهب الذي يهدف إلى تطوير القيادات الواعدة الشابة من الفتيات والشباب في المهارات الأساسية للقيادة الملهمة. من خلال هذا البرنامج يتم صناعة قادة ملهمة، قادة مؤثرة، قادة مبدعة أي صناعة مواهب بشرية مستدامة. بحيث عند رحيل أي قادة من القيادات بسبب تقاعد أو نقل أو لأي سبب من الأسباب فيكون هناك بجانب الصف الأساسي صف أول وصف ثاني من القيادات الواعدة التي تدير دفة السفينة بكل يسر وسهولة ويكونوا خير خلف لخير سلف. عند قراءة اسم البرنامج تبادر لذهني مجموعة من التساؤلات.. ماهي مواصفات القيادات الواعدة؟ ما الاستراتيجيات المستخدمة لاكتشافها؟ برنامج القيادات الواعدة هل هو برنامج صالح لتطبيقه على مستوى الوزارات فقط، أم يمكن تطبيقه على مستوى الإدارات والمؤسسات الصغيرة ؟ تبني شخصية القيادة الواعدة مسؤولية تقع على عاتق الأسرة أم المدرسة أم المجتمع؟ هل تنمو وتزدهر في ظل قيادة تصنع قادة أم اتباع؟ القادة النموذجيين هم الشغوفين الذين يؤمنون بأهدافهم و يحولون توقعاتهم إلى مبادرات ملموسة ، ويخضون ساحة التحدي بكل ثقة بقدراتهم لتحقيق إنجازات غير مسبوقة ، ولا ينتظر الفرص بل يعمل على صناعتها بكل عزم وإصرار ، ولا يقف مكتوف الأيدي أمام الصعوبات أو يضع الأعذار بل تجد عنده حلول وابتكارات لتخطي أي تحدي يواجه ، ولا يضيع وقته في نقاشات عقيمة ، وإنما يحول أفكاره وأهدافه إلى أفعال ذات نتائج مؤثرة . كم نحن بحاجة ماسة لصناعة القيادة الواعدة في ظل التطورات التي تعيشها بلدنا الحبيبة، فالبشر يصنفون إلى ثلاث أنواع 1% قادة بالفطرة ،98% يكتسبون القيادة من خلال التدريب ولديهم استعداد للقيادة، 1% مهما دربتهم ومهما علمتهم، ولم ولن يكتسبوا مهارة القيادة أبداً. الأسرة تُسهِم بشكل كبير في صناعة الشخصية القيادية، بعض الأطفال لهم شخصية قيادية بالفطرةِ، ويمكن للوالدين ملاحظة أبرز السمات لهذا الطفل القيادي من خلال سرعة البديهة، وحب المبادرة، ومساعدة الآخرين، والقدرة على اتخاذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة، والقدرة على إدارة الضغوط والأزمات، فكلها مهارات قيادية تدل على أن هذا الشخص مؤهل لكي يصير قائد بالفطرة. إذا كان الطفل لا يمتلك أيَّ مواهب قيادية فطرية، يمكننا تنميته وإكسابه تلك المهارة من خلال تعليم الطفل تحمل المسؤولية، فاليوم في المنزل مهامُّ بسيطة تناسب عمر الطفل ، وتربي عنده شعور حب الإنجاز، وخاصة إذا أنجز المهمة وأعطيناه تعبيرات إيجابية أو تحفيزية، فإن هذا يولّد لديه ثقة بالنفس، فتحمُّل المسؤولية هي بداية تكوين الشخصية القيادية عند الطفل. وهناك بعض الأفكار التي تنمي مهارات القيادية داخل الأسرة مثلا عقد الاجتماعات الاسرية هناك فرق بين التجمع الأسري والاجتماع الأسري المقنن المخطط له و محدد بأهداف . كيف يمكن أن تدار الاجتماعات الأسرية التي من خلالها تنمية مجموعة من المهارات القيادية لدى الأبناء؟ يتولى الولدين في بداية الأمر التنسيق للاجتماع لتوضيح الهدف منها ، الالتزام بالحضور وتحديد يوم في الأسبوع للاجتماع مع الزمن المناسب لجميع أفراد الأسرة ويكون ذلك بالتشاور والتصويت ، وتوضيح أن الجميع سيشارك في هذا الاجتماع سيخصص لكل فرد من 5- 10 دقائق للحديث أما بطرح فكرة ، أو بطرح مشكلة يمر فيها ، أو مناقشة قرار اتخذه أحد الوالدين ، أو معلومة قرأها ، يناقش علاج او حل نفذه ليتخطى صعوبة ، أو حتى تقديم تهنئة ، او كلمة شكر وامتنان . ويمكن تكون الاجتماعات محددة مثلا مناقشة تقوية علاقة الفرد بربه، ما أهم الأعمال التطوعية التي شارك فيها، ما أهم الإنجازات التي أداها خلال الأسبوع أو الشهر يفتخر بها، مناقشة سفرة في إجازة الصيف ما الدولة المقترحة لزيارة ، مشاركة الأبناء في مناقشة انطلاق مشروع واعطائهم فرصة لتقديم الأفكار ، ترتيب وتنسيق اثاث المنزل. وأيضا من الأفكار التي تنمي المهارات القيادية لدى الأبناء باستخدام مهارة التفويض فعند غياب الأم والأب عن المنزل حتى لو ساعات او أيام لابد من تفويض أحد الأبناء بقيادة الأسرة في غيابهم مع توفير جميع متطلبات القيادة والاحتياجات المادية والمعنوية، وتكون عملية التفويض دورية بين الأبناء كل مرة يتولى أمر القيادة أحد الأبناء حتى لو كان أصغرهم سنا مع طلب من أخوته الأكبر بتقديم الدعم له أثناء توليه أمر القيادة. فالوالدين خير من يصنع القيادة الواعدة للأمة وللمجتمع. الأسرة والمدرسة والمجتمع الوظيفي ثلاثة أضلاع متطابقة تعمل معاً في صناعة القيادة الواعدة المأمولة. القائد ( أب ، أم ، معلم ،مدير ) الذي يصنع القادة مثل صانع البالونات فهو يصنع قادة يقويهم وتجهيزهم ، ومن ثم يطلقهم للحياة العملية ويطلق لها العنان ليلحقوا بمهاراتهم . فهل تعتقد أن القائد يخاف أحياناً من صنع قادة جدد لكي لا يتأثر منصبه انطلاقا من مبدأ ( التلميذ أشطر من الأستاذ ) أو مقولة ( تلميذ الأستاذ ..... أستاذ ونص) مبادرة وزارة التعليم في إطلاق برنامج القيادة الواعدة (مواهب) تقضي على هذه المعتقدات التي ترسخ في أذهان بعض القادة التي من خلالها يدرك القائد أن القيادة ليست جهد فردي ، ولكنها جهد جماعي ، فهو يعطي موظفيه الصلاحيات التي تمكنهم من تقديم عمل جيد ينهض المستوى المؤسسي ، ويدعمهم من خلال تطوير كفاءتهم ، وتشجيعهم على الإنجاز والاستمرار ، ويعترف بمساهماتهم من خلال مكافأة الانجازات الفردية ، والاحتفال بالنجاحات الجماعية ، ولكي يحقق نجاح قيادته في صناعة القادة لابد أن تكون أعماله وأقواله تلمس قلوب موظفيه . وهناك عدد من الجامعات في مناطق مختلفة بالمملكة العربية السعودية تبنت مشروع القيادة الواعدة بين طلابها وحقق نجاح باهر. نتطلع تكثيف مثل هذه البرامج انطلاقا من الأسرة بحيث تتبنى المؤسسات المجتمعية تنمية المهارات القيادية لدى الوالدين لأنهم المؤثر والمصنع الأول للقيادة المستقبلية ، أن تحتضن المؤسسات والإدارات القيادة الواعدة من خلال رسم خطة استراتيجية تدعم هذه المواهب البشرية مع تمكينها بما يتناسب مع قدراتها . وأخيراً ما أجمل أن تكون الأسرة، والمؤسسات التعليمية، والمجتمع الوظيفي أراضي خصبة تنمو فيها نبته صالحة كما نرغب بها تتوفر فيها صفات القيادة والتأثير، ويملكون زمام القدرة على التغيير، و يتمتعون بالنضج الذهني والتوازن النفسي، والرغبة الحقيقية في اكتساب المهارات وتنمية الذات، ليدفع عجلة رقي مجتمعه والتأثير في أفراده، وحسن إداراتهم.