قلوبنا في هذه الحياة كورقة بيضاء مضيئة تحركها الرياح بخفّة متناهية في هواء جميل، تتراقص في الفضاء بسموّ ورفعه، وتتأرجح بكل أريحية معلنة الحب والسلام. يتنقل ذلك القلب الصغير بين الآخرين بمهارة وعذوبة ليتحول بذلك إلى مرحلة انتقالية، غامرا كنفاته بالصفاء والنقاء بعيدا عن حسد كريه أو حقد بغيض. هذه الورقة تنبض بسلامة صدر وحسن مقصد والرضا بكل شيء، هذا ما دامت تلك القلوب تسبح في بحر دافئ بعيدا عن التصنع والتصبغ.. الناس في هذه الدنيا على أشكال بعضهم من تقف نفسك من أول وهلة فتجد روحك قد أصابها شيء من التشنج والنفور، ومنهم البعض الذي تحس أن السيولة التي في القنوات تمر ببطء وكأن هناك انسدادا مفاجئا أعاق مرور المشاعر، ولكن لا بأس من الامتزاج. والبعض الآخر وهم الأروع تجد روحك تتجانس مع أرواحهم فتتشابه أرواحكم وتتآلف وتظل أنهار مشاعركم تصبّ في صحراء قاحلة لتحولها إلى جنة نضرة. لنا في هذه الدنيا صفقات مع بني جلدتنا، فعلاقاتنا مع الآخرين كصفقات تجارية قابلة للربح والخسارة، وكورقة شجر زارتها الفصول الأربعة عدا فصل الخريف، فإن لم تنجُ من الخريف فقد خسرنا تلك العلاقة. وهي علاقة مبنية في الأصل على تقارب الأرواح التي هي في الأصل عرضة للإصابة بوعكات فحالها كحال الجسد، تجعلنا في بعض الأحيان لا نحسن التصرف والتعبير عمّا في دواخلنا ممّا يجعل ذلك نهاية في علاقة ودّ وبداية لمشوار فراق. العلاقة بمسمّاها في اللغة هي ارتباط قوي بين روحين قبلا أن يمتزجا ليسعدا ويُسعدا، ليتشاركا الأحزان، ويُخففّا من نكد وكبد الحياة. هي علاقة تفاعل وتواصل تزيد من جماليّة الوجود. تلك هي العلاقة المنشودة من كل روح. فهي روح وثقت بها وقدّمت روحك من داخل سويداء قلبك أنيسا ومسامرا لها. نجد مثل هذه العلاقات شائعة بين الأصدقاء والأزواج وأحيانا في محيط العمل. فإن حصل ما حصل من تشققات أو تصدع وتكسر لعمود وركن في العلاقة أو انهيار تلك القلعة بالكامل فهناك أدب سموه حكاية ما بعد الفراق، لأن لكل علاقة ذكرى لا تخلو من الجمال ففيها الجميل الذي لا ينسى وفيها الألم والوجع الذي استطاع تكسير تلك المودة. فالعلاقات أخلاق حتى لو انتهت، فالمقصد هو حفظ ما كان من صدق الودّ وجمال العشرة ممّا يجعل لنهاية العلاقة درسا بليغا للوفاء وقدرا عظيما للآخر، على الرغم من غياب شمسه وانكسار مجداف قاربك، وانصهار مودة من كان من أجمل اهتماماتك. فهو بمعنى آخر، احترام مساحة من كان يشاركك روحك. أخيرا، الحياة مليئة بالجمال فغياب قمرك وتخليه عمّا كان يحمله من معانٍ سامية لا يعني أنه ليس هناك قمر جديد سيظهر حاملا لك كل جميل. فهيجان البحر وارتطام أمواجه وانتشال قيعانه سيعقبه هدوء يسيطر على الوجدان ويبعث في القلب الأمل ويغمرنا بنسمات النسيان التي تبعث في الروح الحياة، فتعيد لنا خيوط الشمس الذهبية رسم حلم جديد بحلّة جديدة.