بداية (المغش والرقش) اسمان من أطباق أعلنت هيئة فنون الطهي عن اعتمادها ضمن 13 طبقًا آخرًا يمثل كل منها منطقة من مناطق المملكة ضمن مبادرة (رواية الأطباق الوطنية وأطباق المناطق) للتعريف بالأطباق السعودية محليًا وعالميًا لتعزيز الفرص الاقتصادية للأطباق السعودية ومكوناتها.. إلخ. هذا الخبر الذي نشر على حساب الهيئة وتناقلته بقية وسائل الإعلام، أما ما لم ينشر فهو التساؤل عن أين كانت مثل هذه الفنون بل وهيئات الفنون أيام الصحوة، بل وأين كانت ألوان الحياة قبل فنونها، بل وكيف كان ذلك سببًا في طمس هويات مناطقنا؟ فأتذكر أنني لا أعرف عن بعض تراث وفنون مناطق مملكتنا إلا خلال أسبوعين أو أقل طوال السنة في مهرجان الجنادرية، وبعدها تعود حضارات وثقافات تلك المناطق إلى السبات السنوي بقية العام. كان لذلك التغييب لألوان الحياة من حولنا أن تأثر تصميم البناء في المملكة بشكل عام، فلا فرق بين بناية في منخفضات سكاكا عن بناية في قمم عسير، سواء أكانت تلك البناية ملكًا خاصًا أو لجهة ثقافية أو غيرها. وكان الشاب من شواطئ الغربية يرتدي الزي نفسه الذي يرتديه شاب قدم من صحراء النفود، كون التعايش والتقبل لثقافة وطباع الآخر قد يكون بداية لما كانت الصحوة تخشاه بأن يكون هناك تقبل لطائفة أو مذهب أو ديانة أخرى. كان ذلك التشنج بيئة خصبة لأن تستغل الطوائف المتشددة خارج المملكة لبعض من بالداخل لزيادة التحريض والعنف من خلال إيهامهم بأنهم أقلية منبوذة بالداخل بدليل أنه لا هوية لهم. اليوم لم تعد ثقافاتنا وفنوننا للحياة من جديد فحسب، بل أصبحت تجوب العالم، فالمتأمل لمساحة المملكة واختلاف تضاريسها، يعلم أنه يوجد تنوع بيئي وتراثي ملموس يعد من الأبرز على مستوى المنطقة، فكيف لا يكون هناك تراث غير ملموس من ثقافة وفنون على اختلافها! حتى أصبحت طائراتنا تجوب العالم بألوان السدو والقط العسيري والروشن الحجازي وغيره مما يظهر تنوعًا ثقافيًا يهيئ النفس البشرية للتعايش مع الجميع وتقبل الآخر. ما أريد قوله إن النفس تتأثر بمحيطها، فإن كانت البيئة صمّاء من حولنا جرداء لا لون لها، فبالتأكيد لن يكون هناك فن ولا إبداع يسقيها، فتكون بيئة قاحلة ضامئة متعطشة لأي سقيا تصلها، حتى وإن كانت تلك السقيا ملوثة بأمراض الكراهية والعنصرية، والعكس صحيح. الفنون على اختلافها هي دعوة للعيش برقي التكامل، فبالنسبة لي أجد رائحة زكية مشتركة (ما بين المغشّ والرقش والتعايش).