يستعجل بعض مثقفينا برفع استحقاقهم الذاتي بمجرد أن يكتبوا في صحيفة أو يصدروا ديوانا أو رواية. وعادة ما يصاحب هذه الظاهرة تغلغل جملة من المعتقدات الخطيرة لوعي المثقف تتعلق باختلاف شخصه عن محيطه أو بعدم تقدير الأوساط الثقافية لإنتاجه، وهو يقول هذا ويكرره منطلقا من أحكام شخصية غير موضوعية. يقودنا هذا للتساؤل حول وضوح معالم الحالة الثقافية لدينا، ذلك أنه يمكن قياس الثقافة في أي مجتمع بانتشار الحالة الثقافية وانعكاسها على سلوك الناس واهتماماتهم ونتاجهم المادي وغير المادي. كما أنه انطلاقا من هذا المفهوم يمكننا تعريف المثقف بأنه الشخص الفاعل ثقافيا، على إن «الفعل الثقافي» بدوره يأتي في مستويات متعددة لعل أدناها النشر لمقال أو فكرة أو أي محتوى إبداعي، وأعلاها مواصلة إحداث الأثر بشكل أفقي والتصرف وفق سلوك ثقافي اجتماعي يصب في حالة ثقافية تتسع حتى تستوعب ما ينتجه المثقف وما يفكر به. كما أن هناك سنة تاريخية تتمثل في تخليد المنتج الثقافي الذي يحتضن اجتماعيا ويتداول على نطاق واسع ويتعرض للتشريح والمراجعة وتتعدد زوايا النظر إليه، وغني عن القول إنه لن يقوم بذلك إلا مجتمع مثقف يعيش تجربة ثقافية متقدمة. وإن مجتمعا كهذا لا يتشكل إلا إذا نزل مثقفوه من أبراجهم وصوامعهم وركضوا على أرصفته وخلقوا تفاعلا إنسانيا يكونون هم أنفسهم جزءا منه. من جهة أخرى، فإن المثقف الفاعل هو القادر على أحداث تغيير نوعي إيجابي في مجتمعه، نحو مفاهيم الحياة مثل القراءة أو الكتابة أو تبني أفكار جيدة حول الأنظمة والعلاقات والفنون ومحبة الآخر وتعزيز السلوك الإنتاجي أو الصحي أو غير ذلك مما يكشفه المثقف ويقدمه كنمط عقلي يحرر المجتمع من التقليدية، ويدفعه نحو تحسين ممارساته الثقافية بشكل واع. ختاما.. لكل مجال نخبه وخاصته، ولا يعد هذا إشكالا ثقافيا إلا حينما يتعلق الأمر بصياغة توجهات جديدة متحركة في الزمن، فيكون التحدي أمام المثقف هو تسييل أكبر قدر ممكن من الأفكار والمعاني لتكون قابلة للاشتباك مع قضايا العقل الجمعي وإحداث أثر ثقافي مستدام. ويتأتى هذا من خلال كل ما يتوصل إليه المثقف من قنوات وأدوات وتجارب، وهذا تحديدا ما يصنع الفارق بين مثقف عابر ومثقف فاعل متجذر في حضارته.