عام تلو عام تحتفل المملكة في هذا اليوم بذكرى عزيزة على نفوس جميع أبنائها، هي ذكرى بيعة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، فتغمر الفرحة قلوب جميع السعوديين بهذه الذكرى المباركة التي تمثل استمرارًا لإرث كبير من القيادة الحكيمة، ولحظة فارقة في تاريخ المملكة ودورها على المستويين الإقليمي والعالمي. هذه المناسبة ترمز لمجموعة من الإنجازات الضخمة والنوعية، حيث شهدت المملكة نجاحات غير مسبوقة، وتبوأت مكانة رفيعة بين الأمم، نتيجة للرؤية الثاقبة التي يتحلى بها قائد مسيرتنا المظفرة، والحكمة الكبيرة التي يتمتع بها، والخبرات النوعية التي اكتسبها خلال العقود الماضية. على الصعيد السياسي تحظى المملكة باحترام العالم وتقديره، وتتمتع بمصداقية ومكانة كبيرة بسبب سياستها القائمة على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وإسهاماتها الخيرة في دعم ومساندة الدول الشقيقة والصديقة التي تتعرض للكوارث والأزمات، أما فيما يتعلق بالاقتصاد فإن النجاحات التي تحققت على هدي رؤية المملكة 2030 أكبر من أن تُعد وتحصى، فهي مشاريع ضخمة وغير مسبوقة دفعت معظم الشركات العالمية الكبرى للتسابق على المشاركة في تنفيذها، إضافة إلى أن الخطط الرائدة التي وضعت لتطوير المدخلات الاقتصادية وزيادة موارد الدخل، وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل بدأت نتائجها تظهر للعيان، وبدأت بلادنا تجني ثمار هذا التفكير النوعي المتقدم، إضافة إلى بقية الأهداف الإستراتيجية مثل توطين التقنية، وتشجيع الصناعة وتطوير القطاع السياحي. أما على الصعيد الاجتماعي، فإن التغيير الإيجابي الذي شهدته المملكة في هذا العهد الزاهر تحت قيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وعضيده وولي عهده، الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- يمثل أحد أكبر المكاسب التي تحققت، مثل تمكين المرأة والسماح لها بالمشاركة في الأنشطة الاقتصادية، وتعزيز أجواء الانفتاح، بما يسمح لبلادنا بمسايرة العالم، ومما يبعث على الفرح أن كل تلك الخطوات تتوافق مع تعاليم الشرع الحنيف وفي إطاره. ومن أبرز ما توليه القيادة الرشيدة من عناية تطوير كفاءة ومقدرات الشباب السعودي والاهتمام بترقية مهاراتهم لتمكينهم من استلام راية البذل والإنجاز، وذلك عبر التوسع في برامج الابتعاث الأكاديمي لأعرق الجامعات العالمية، وتوفير البرامج التدريبية المتقدمة، وقد أسفرت تلك الجهود حتى الآن عن نتائج باهرة تمثلت في تقليل نسبة البطالة بين الشباب، بعد استحداث مئات الآلاف من الفرص الوظيفية، ومما يميز هذه البرامج أنها لا تهدف فقط لإيجاد وظائف للشباب أو إحلالهم محل العمال الوافدة، بل تركز في الأساس على تعزيز المعرفة وتوطين التقنية، وإيجاد أجيال جديدة قادرة على المنافسة في سوق العمل وجديرة بأن تحجز مكانها بما تمتلكه من مؤهلات ومهارات. كما تشن المملكة حربًا واسعة النطاق على أوكار الفساد المالي والإداري، وتتعقب أولئك الذين كانوا ينهبون خيرات البلاد ويحولونها لمصلحتهم الخاصة ويحرمون المستحقين منها، بعد أن ارتضوا لأنفسهم خيانة الأمانة والكسب الحرام، فقد أعلن الملك سلمان حربًا شاملة على كل فاسد «كائنًا من كان»، وتوعدهم بسيف القصاص، ومما يكسب هذه الحملة أهمية كبيرة وقوف ولي العهد ورائها بصورة شخصية، لذلك لا تزال الحملات تتواصل بنفس الزخم الذي بدأت به، وأفلحت في استرداد مئات المليارات من الريالات التي تمت إعادة ضخها في شرايين الاقتصاد الوطني فأكسبته قوة وحيوية. أما على الصعيد القانوني فقد استكملت المملكة أكبر نهضة تشريعية في تاريخها، وقامت بتعديل كثير من الأنظمة الموجودة، واستحداث قوانين جديدة، وترقية الكادر البشري، والتوقيع على العديد من العهود والمواثيق الدولية، وهو ما قاد بدوره إلى تعزيز مكانة المملكة على المستوى الدولي، ورفع درجة تصنيفها المالي بما يؤدي إلى جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية التي تحرص بشدة على العمل في أجواء تحكمها نصوص قانونية واضحة تضمن حقوق جميع الأطراف. هذا التفكير المتطور يشير بوضوح إلى الحكمة الكبيرة التي تتمتع به قيادتنا الرشيدة -حفظها الله- فهذه البلاد أكرمها الله -سبحانه وتعالى- بثروات هائلة، إلا أن أكبر تلك النعم هو نعمة القيادة الحكيمة التي سخرت كل تلك الثروات لإسعاد شعبها وتطوير واقعه، وضمان مستقبل مشرق لأجياله الجديدة، فالكثير من دول العالم تمتلك قدرات كبيرة، لكنها تفتقر إلى من يوجّهها بصورة سليمة، فكانت النتيجة أن شعوبها تعاني الفقر، وغرقت في دوامة من الاضطرابات التي أضاعت مقدراتها وأفقدتها قيمتها. السر في كل تلك الإنجازات هو أن القيادة السعودية تتقن فن التجاوب مع تطلعات شعبها، وتدرك احتياجاته وتسعى بشتى السبل لترجمة طموحاته وتحقيقها على أرض الواقع، وهو ما تحرص على تذكير المسؤولين به على الدوام، وتوجههم بفتح أبواب مكاتبهم أمام المواطنين والاستماع إليهم والعمل على تحقيق طلباتهم بقدر الإمكان، وهو ما قاد إلى هذا التلاحم الفريد بين الشعب السعودي الذي عرف بالوفاء وقيادته الرشيدة التي وجهت كل مقدرات الدولة وإمكاناتها لخدمته. هنيئًا للشعب السعودي بهذه القيادة الرشيدة التي تبذل كل ما بوسعها لأجل ضمان تطوره ونمائه ومستقبل أجياله، والتهنئة أرفعها لمقام مولاي خادم الحرمين الشريفين ولسمو ولي عهده الأمين، وللشعب النبيل، سائلا الله أن يعيدها أعوامًا مديدة وبلاد الحرمين الشريفين تواصل رحلتها المباركة نحو النهضة والازدهار.