صدرت منذ بضعة أيام النشرة الدورية لهيئة الإحصاءات العامة بخصوص مسح القوى العاملة للربع الثاني من عام 2023، وقد تضمنت إحصاءات خاصة بمعدلات مشاركة الشباب السعوديين وتشغيلهم في السوق ومعدل البطالة بينهم؛ بمقارنة نتائج الإحصاءات ما بين الربع الأول من عام 2023 والربع الثاني منه، وذلك للفئة العمرية من 15-24 والتي تمثل الشباب السعودي في مرحلة الدراسة بداية والتخرج من الثانوية والكليات التقنية والفنية وكليات المجتمع والجامعات. أفرزت الإحصاءات أن هناك انخفاضا في معدل مشاركة وتشغيل المواطنين الشباب في السوق، والذي انعكس بدوره على ارتفاع في معدل البطالة بينهم ما بين الربع الأول والثاني من هذا العام، حيث كان معدل المشاركة في السوق من المواطنين والذي يتضمن (المشتغلين+ المتعطلين) من الذكور والإناث %24.6 في الربع الأول، إلى %24.4 في الربع الثاني من العام، في حين انخفض معدل المشتغلين في السوق من الجنسين إلى %23.5 بعد أن كان المعدل %23.9 في الربع الأول من العام، أما البطالة بينهم والمرتبطة بمعدل التشغيل فقد ارتفعت هي الأخرى من %16.3 إلى %17.0 في الربع الثاني من هذا العام! لا شك أن الشباب هم عدة المستقبل وهم الموارد البشرية الحية والنشطة التي يعتز بها الوطن، وهم من تُوجه إليهم مختلف السياسات التنموية المحفزة للمشاركة في الأعمال في مختلف القطاعات وهم المعنيون بالاستفادة من معظم الفرص الذهبية الموجودة في السوق لتحتوي كافة المؤهلات والتخصصات التي يحتاجها سوق العمل بقطاعيه العام والخاص، بل وإنهم هم المعنيون كذلك بمختلف برامج الابتعاث والدورات والدبلومات التي تستهدف تمهير الشباب وتهيئتهم لسوق العمل بأفضل الإمكانات والقدرات التي يملكونها، والتي يفترض أن لهم الأولوية في اقتناص آلاف الفرص المتاحة والمصاحبة لما نشهده من نشاط تنموي وانتعاش اقتصادي وإعادة هيكلة لمؤسسات المجتمع بمختلف توجهاتها ومجالاتها. إجراء الإحصاءات العامة بمختلف تفصيلاتها ومجالاتها؛ ليس من الأمور السهلة كما أنه ليس من الرفاه الاجتماعي أو المؤسسي؛ وإنما هو هدف ومطلب مهم جدًا لقراءة ومتابعة واقع التنمية ورصد مستوى الإنجازات ومراجعة محتوى السياسات وتقييم الواقع الوطني بمختلف مضمونه؛ لذلك فإن وجود إحصاءات دورية دقيقة وشفافة من الأهمية بمكان لصناع القرار ولموجهي السياسات والقرارات، وعليه فإن وجود إحصاءات دائمة ودقيقة يُعد من المؤشرات الصحية الوطنية للتنمية والقائمة على أسس علمية وأهداف حقيقية نسعى نحو تحقيقها، وتلك سمات الدول المتقدمة التي تستهدف تحقيق الجودة في الحياة لسكانها ولمواردها ولكافة مقدراتها المادية والبشرية. هناك أهداف وطنية إستراتيجية تضمنتها رؤية 2030، وهناك أهداف خاصة بكل قطاع يُعنى بها، وجميع تلك الأهداف باختلاف قطاعاتها لا بد وأن تصب جميعها في تحقيق أهدافنا الاستراتيجية التي تلتقي عندها جميع القطاعات بما تحتويه من أهداف، مراجعة السياسات الخاصة بالاستثمار في مواردنا البشرية لمختلف القطاعات مطلوب وبقوة، لأن تدريب الشباب وتأهيلهم للعمل ثم توظيفهم، هو مسؤولية وطنية يتحملها كل مواطن تمكن من إدارة قطاع أو قُدر له أن يكون عنصرًا مؤثرًا فيه بمختلف المستويات المهنية والدرجات الوظيفية. يرتبط توظيف الشباب بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، هؤلاء الشباب سيكونون أرباب أُسر هذا إذا لم يتحملوا تلك المسؤولية من قبل تكوينهم لأسرهم الخاصة، فعليهم تعتمد عائلاتهم ومن خلالهم نحقق أستقرارا أسريا ومجتمعيا ونتيح لهم المشاركة والإسهام في نهضة الوطن وازدهاره، تشغيل الشباب واستيعابهم في فرص العمل المتاحة سيُقلل كثيرًا من الانحرافات الاجتماعية في السلوك بل وكذلك يحُد من المشاكل الأسرية التي يكون الفراغ والحاجة المادية سببًا لها. عندما تتذبذب نتائج الإحصاءات خاصة فيما يخص سوق العمل ما بين الصعود والهبوط أو التراجع والتقدم؛ نحتاج لمراجعة كثير من السياسات ذات الصلة بسوق العمل وضوابطه ولوائحه فيما يتصل بالمواطنين وتيسير سبل أعمالهم وتشغيلهم، وتذليل كافة الإجراءات المتعلقة بديمومة وظائفهم سواء كانت عامة أم خاصة، مع ضرورة متابعة ورصد متطلبات التوظيف وتحدياته التي يواجهها المواطن من واقع سوق العمل ومن المواطنين أنفسهم.