تستهدف الرؤية في برامجها ومبادراتها المختلفة، رفع نسبة توطين الوظائف، وزيادة الأنفاق على مقومات بناء رأس المال البشري، لتمكينه في مختلف القطاعات، بما يسهم في تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية شاملة وصولا لجودة الحياة. وحتى يمكننا إدراك أهمية مضمون الرؤية فيما يتعلق بالتوطين، والاهتمام بالتنمية المستدامة الشاملة، والتطوير المؤسسي لجميع قطاعات الدولة من العام والخاص، فإن ذلك يتطلب إلقاء بصيص من الضوء على بعض الإحصاءات المتعلقة بتقديرات السكان في المملكة لعام 2018، وبيانات مسح القوى العاملة في الربع الأخير منه، للوقوف على تحديات الواقع السكاني وهيكل سوق العمل القائم، والذي يعكس الخلل في تركيب السكان، وفي توزيع الموارد البشرية المشتغلة في سوق العمل الوطني، وبما لا يخدم تطلعات الرؤية وأهدافها المرجوة. تشير تقديرات السكان الوطنية، إلى أن غير المواطنين يشكلون نحو 38% من جملة سكان المملكة عام 2018، في حين كانت النسبة 37% عام 2017، وأن نسبة السكان غير المواطنين في الفئات العمرية من 35 إلى 59 سنة، تستحوذ على 54.44% من سكان المملكة في تلك الفئات العمرية، في حين يمثل السعوديون 45.55% من تلك الفئات العمرية، وإذا ما أضفنا فئات السن من 25 إلى 34 سنة للفئات السابقة، فإن المواطنون يكادون يتساوون مع غير المواطنين، وذلك بنسبة 50.03% للسعوديين، و49.97% لغير السعوديين. ومن جهة أخرى فإن مسح القوى العاملة للربع الأخير من عام 2018 تؤكد بياناته أنه ما زالت كفة غير المواطنين هي الراجحة في نسبة المشتغلين في سوق العمل الوطني على حساب تشغيل المواطن، وبفارق كبير يستدعي الوقوف عنده، إذ تشير الإحصاءات الوطنية إلى أن نسبة المشتغلين غير السعوديين تصل إلى 75.1%، وذلك يشمل جميع القطاعات في الدولة، بينما تتقلص النسبة للمشتغلين السعوديين إلى نسبة 24.80% فقط في سوق العمل الوطني! ويستأثر القطاع الخاص وحده باحتواء 69.15% من المشتغلين فيه من غير المواطنين، بينما تنحسر نسبة السعوديين فيه إلى 30.8% من المشتغلين في القطاع الخاص! أما معدل المشاركة الاقتصادية للسكان في سوق العمل من 15 سنة فأكثر، فإنها ترتفع عند غير السعوديين إلى 74.5%، بينما ينخفض المعدل عند السعوديين إلى 42% من المشاركين في القوى الاقتصادية المساهمة في سوق العمل! ومع تلك المفارقة المذهلة نجد أن معدل البطالة عند السعوديين يسجل 12.7% عام 2018 من الربع الأخير، وذلك بعد أن كان 12.8% في الربع الثالث من العام نفسه، بما يشير إلى انخفاض طفيف لا يذكر، وذلك على الرغم من أن عدد الباحثين عن عمل من السعوديين قد ازداد إلى 970،229 باحثا عن عمل في الربع الأخير من عام 2018، بعد أن كان 923،504 في الربع الثالث من العام نفسه! وذلك بالطبع تفسيره زيادة عدد الباحثين عن عمل، نتيجة لمخرجات الجامعات المضافين للسوق. وبالإشارة إلى نظام الإقامة المميزة الصادر أخيرا، والذي يلغي نظام الكفيل ويمنح المقيمين مزايا خاصة تخولهم لممارسة الأعمال التجارية بناء على نظام الإقامة التي يحملونها (مؤقتة - دائمة)، علاوة على منح المقيم مزايا مضافة في الإقامة مع أسرته وحقه في استقدام العمالة وامتلاك العقار، ووسائل النقل، فإن التساؤل المطروح، هل نتوقع أو نأمل في ضوء ذلك أن يكون هناك إصلاح ومعالجة للواقع السكاني وتحديات سوق العمل الوطني الحالي؟! أم سيدفع ذلك النظام نحو مزيد من الخلل في التركيب السكاني وفي الموارد البشرية لسوق العمل الوطني، والذي يظهر فيه تهميش المواطن بمختلف مستوياته التعليمية وكفاءته المنافسة، لغير المواطن الذي يستحوذ على 75% من المشتغلين في سوق العمل الوطني. ومما لا شك فيه أن نظام الإقامة المميزة صدر بهدف معالجة تحديات الخلل في إشكالات سوق العمل، والتي منها تصحيح البناء الهيكلي للسوق، والقضاء على التستر التجاري، والحد من ارتفاع قيمة الحوالات الأجنبية للخارج دون توجيهها نحو الإنفاق في السوق الداخلي وغيره، ومما يفترض أنه سينعكس تأثيره إيجابا، على إنعاش السوق الوطني وتعزيز الفائدة المرجوة بالاستثمار فيه، وبما يسهم في تنوع الهيكل الاقتصادي من جهة، وتوفير فرص عمل إضافية يستفيد منها المواطن بالدرجة الأولى، بحيث يستفاد من ذلك الاستثمار الموجه لصالح الوطن ومواطنيه، وليكون الحذر من أن يتم استلابه واختطافه لمزيد من التهميش للمواطن، مقابل مزيد من الاستقدام للعمالة الوافدة، بشتى مستوياتها مع تجاهل الكفاءات الوطنية التي تبحث عن عمل ولا تجده! ولترجمة مستهدفات الرؤية وتطلعاتها، فإن ذلك يقتضي المواءمة بين السياسات والإجراءات المختلفة الصادرة من القطاعات المختلفة، وبين ما نتطلع إليه من أهداف في إستراتيجياتنا الوطنية، بما يخدم تحقيقها وبلورتها إلى منجزات ملموسة تصب في الصالح الوطني بجميع مقدراته المادية والبشرية، والتي منها التوطين للوظائف المتاحة باستقطاب المواطن الكفء بمختلف مؤهلاته، ليأخذ فرصته في التوظيف بما يليق به وبمؤهله وبوطنه، وبأن يتم إحلاله في جميع الوظائف المستحقة له، والتي يستحوذ عليها غير المواطن، وإن متابعة تنفيذ النظام الصادر بخصوص الإقامة المميزة، يتطلب الوعي والاحتواء لجميع تفاصيلها، بما يحول دون توجيهها بما قد لا تحمد عقباه، وما قد يترتب عليه من سلبيات يصعب تدارك عواقبها، وليخدم النظام المصلحة الوطنية العامة والخاصة، فهو معني بمتابعة نوعية النشاطات والاستثمارات القادمة، وما مدى استفادة المواطنين من تلك الاستثمارات؟ وهل تخدم التنوع الاقتصادي المستهدف؟! وهل تسهم في توفير مزيد من فرص العمل والتدريب للمواطنين، لرفع نسبة مشاركة المواطن في الاقتصاد الوطني، ولزيادة معدل المشاركة الاقتصادية في الإنتاج المحلي غير النفطي؟!. Ablah M ablahmurshid@