تنطلق أهمية الاستثمارات المختلفة للموارد الوطنية، بمختلف مشاريعها وتوجهاتها، من قاعدة تنموية وفكر إستراتيجي يستهدف في مخططه ورؤيته، الاستفادة من المقدرات المتاحة والموارد الكامنة والمعطلة، بتشغيلها والاستثمار فيها، بما ينعكس نفعه على تنمية شاملة تحتوي تحت مظلتها مختلف الأهداف الوطنية المنظورة، وذلك يشمل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بل وجميع ما يستوعب التطلعات والإستراتيجيات في مشروعها التنفيذي، لتنمية المناطق والسكان في المدن والمحافظات، وما يلحق بها من قرى ونقاط تجمع سكاني. تُعد التحديات التنموية على اختلاف مشاربها، من أحد أهم دوافع المساعي نحو الاستثمار الموجه، بهدف معالجتها والحد من تأثيراتها السلبية على المجتمع بصفة عامة، وعلى التنمية الوطنية بصفة خاصة. التطلع نحو توطين الوظائف المتاحة، ورفع نسبة التوظيف للمواطنين، سواء في الفرص الوظيفية المشغولة بغيرهم، أو خلال خلق فرص وظيفية تخدم توجهاتنا المستقبلية، أحد أهم توجهاتنا على الصعيد الوطني الاجتماعي والاقتصادي، لأن التوظيف يعني تنمية اجتماعية لأفراد المجتمع، يصاحبها تحسين في مستوى الدخل الأسري ومستوى الإنفاق العام، والذي يصب جميعه في حالة من الاستقرار المجتمعي والأمن الوطني، ويُسهم بدوره في تعزيز مستوى النمو الاقتصادي الداخلي، وزيادة حجم الدخْل المحلي، بما يقدم قيمة مضافة لمحتوى الإنتاج، في تنويع قاعدته الاقتصادية المستهدفة. ويرتبط بتنفيذ المشروعات الاستثمارية المختلفة، مظاهر واضحة المعالم وسريعة الظهور نوعاً، تتصل بتغيير ملموس وتحول بنيوي في محتوى وشكل مقدراتنا المادية والطبيعية المتاحة، في حين أن هناك من التحولات عميقة التأثير، وثرية المحتوى المستدام لرؤيتنا القريبة والبعيدة المدى، وذلك يرتبط بتكوين مقدراتنا البشرية وتمكينها، وبمواردنا الوطنية والاستثمار فيها، إذ يرتبط بالاستثمارات المأمولة، عملية توظيف كبيرة للمواطنين وتدريب متميز لهم، وذلك يشمل مختلف مستويات مؤهلاتهم وتخصصاتهم، التي يحتاجها المشروع الاستثماري في مختلف برامجه وأهدافه التي يتم الاستقطاب من أجلها، والذي يرتبط بفكر استراتيجي، يهتم بنقل المعرفة ويُعنى بتوطين التقنية، ليكون الاستثمار متكاملا في تطلعاته ومضمونه على المدى القريب والبعيد. وعلى الرغم من الجهود التي تستهدفها الدولة برفع نسبة التوطين، والدفع نحو حث القطاع الخاص على رفع نسبة التوظيف للمواطنين، إلا أنه حتى حينه ما زالت الكفة راجحة لصالح غير المواطن في التوظيف، وفي الاستقطاب للوظائف الشاغرة والمنبثقة عن البرامج المستجدة، مع تجاهل واضح لمواردنا البشرية الوطنية المؤهلة والمنافسة، ويشمل ذلك حتى الفئات العمرية الشابة من مخرجاتنا الحديثة، والتي سجلت وحدها نسبة %60.7 من البطالة، للفئة العمرية من 20-29 سنة من جملة المتعطلين السعوديين، وذلك علاوة على ما تشهده جميع الفئات العمرية بمؤهلاتها المتخصصة ومجالاتها المتنوعة، من نمو ملحوظ في زيادة نسبة البطالة بين المواطنين، والتي سجلت نسبة %14.9 في الربع الثالث من العام 2020، بعد أن كانت %12.1 في نفس الفترة من عام 2016، في حين إن معدل البطالة بين غير المواطنين لم يتعد %2.7، لنفس الفترة من عام 2020، وذلك بعد أن كان %0.8 في عام 2016 لنفس الفترة. ومما يجدر التنويه له، إنه على الرغم من استمرار انخفاض مشاركة المواطن في العمل في جميع القطاعات، والتي سجلت نسبة %49.0 في الربع الثالث، في حين إن غير المواطن يشارك بنسبة %73.8 للفترة نفسها من عام 2020، إلا إن التوطين والتوظيف ما زال يشهد خللا كبيراً في تنفيذه رغم السياسات المعلنة حوله والبرامج المتعلقة به. وعند مراجعة بيانات التشغيل للمواطنين، يتبين أن المواطنين المشتغلين في سوق العمل لا يتعدون 3.253.276 مليون، بما يمثل نسبة %33.27 فقط من جملة المشتغلين في جميع القطاعات من الحكومي والخاص، والذين يبلغ عددهم الإجمالي 9.776.574 مشتغلا، بينما يستحوذ غير المواطن على عدد 6.523.298 مشتغلا، بنسبة %66.72 من الوظائف المتاحة في جميع مؤسسات الدولة، وذلك لا يشمل العمالة المنزلية التي تسجل وحدها عدد 3.678.564 عاملا أجنبيا. من جانب آخر فإنه على الرغم من انخفاض معدل تشغيل المواطن في القطاع الخاص، والذي يمثل الجهة المستهدفة في التوظيف، ورغم التوجهات الوطنية نحو توطين الوظائف فيه ورفع نسبتها، إلا أن البيانات الإحصائية الخاصة بالاستقدام، تشير إلى ما يناقض ذلك، إذ تسجل ارتفاعا كبيرا في عدد التأشيرات الصادرة من وزارة العمل، والتي سجلت 72.435 تأشيرة صادرة في الربع الثالث من عام 2020، في حين إنها كانت 49.566 تأشيرة في الربع الثاني من العام نفسه، وذلك مع الأخذ في الاعتبار المشروعات المستجدة والاستثمارات القائمة والمستقبلة. تحقيق أهدافنا الوطنية ورؤيتنا الاستراتيجية، يحتاج لسياسات مؤسسية داعمة ومعززة ومُنسجمة مع تلك الأهداف بما يخدم تحقيقها، وبما لا تتعارض إجراءاتها مع تطلعاتنا التنموية، وبما لا يسهم كذلك في تراكم تحدياتنا، بدلاً من أن تُسهم في معالجتها، وإذ تعد السياسات والقوانين والأنظمة التشريعية، هي الضابط الرئيس لاختلالات سوق العمل، وهي المسؤول الأول عن تنامي تلك التحديات واتساع رقعتها، فإن الأمل معقود على تطوير عاجل لمحتوى لوائح وزارة الموارد البشرية، ولطبيعة إجراءاتها وسياساتها، بما يتوافق مع التوجهات الوطنية، وأهدافنا المأمولة.