نشر الموقع الرسمي على الشبكة العنكبوتية لفصيل لندن من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، في يوم الجمعة 30 يونيو 2023، بيانًا ثمن فيه القائم بأعمال المرشد صلاح عبد الحق، جهود المملكة في خدمة الحجاج، مشيدًا بالملك، وولي عهده، وبالشعب السعودي. وهذا يمثل تحولًا نوعيًا في خطاب الجماعة تجاه السعودية، ولا يعني هذا البيان المنافق وغير الصادق إلا أمرًا واحدًا -في نظري-، وهو أن الجماعة بدأت تمارس براغماتيتها وحربائيتها المعهودة عنها، تمهيدًا للمصالحة مع من أدرك حقيقتها من الدول والحكومات، وعلى رأسها السعودية، وما يقودهم إلى وهم إمكانية تحقق هذا الأمر هو حلمهم المريض بأنهم كيان يشابه الدولة، وبناءً على ذلك فيجب على الدول أن تتعامل مع الجماعة بحسب قواعد وأصول الدبلوماسية، وسياسة المصالح والمعاهدات الدولية. ولا يخفى على أحد مدى مغبة التعامل مع الجماعة الإرهابية بهذه الطريقة، فالجماعة الإرهابية بكل تأكيد ليست دولة، وإنما هي تنظيم وظيفي يخدم نفسه بخدمة أجندة متعددة الأطراف، ومتعددة الأغراض منذ تأسيسه، وما يبقيه حيًا حتى الآن عاملان، الأول: إرث معنوي ومادي متراكم من عقود ممتدة، وهذا يسهل التعامل معه مع الوقت، والثاني: وهو الفاعل الرئيس في بقائها، دعم دول لها أجنداتها المعروفة، بالإضافة إلى حيادية دول أخرى لا ترى في الجماعة أي خطر، وهذان الأمران، أي دعم بعض الدول للجماعة، وعدم استشعار بعضها الآخر لخطورتها، مسألة يجب أن يتم التعامل معها بشكل مباشر وحازم، سياسيًا ودبلوماسيًا، من قبل الدول التي تعي جيدًا مدى خطورة الجماعة مصدر الإرهاب والتطرف في الإطار الإسلاموي. وهنا أتذكر ما أشار إليه عمر التلمساني في مذكراته، حول احتدام الصراع بين الإخوان وحكومة الثورة، في عام 1954، إذ كان كثير من الإخوان القدامى يتوجسون شرًا من استمرار هذا الصراع، ويرون ضرورة العمل على رأب الصدع بين الفريقين، وكان محمود عبد الحليم الحائز على رضا الطرفين، كتب مذكرةً للمصالحة بين الثورة والجماعة، واتصل بجمال عبد الناصر للقائه وعرض ما عنده، فكان اللقاء في بيت الأخير، والذي استقبله ومعه وفد من الجماعة، وفي نهاية الجلسة فاجأ عبدالناصر الجميع برفضه أي اقتراح للصلح، بسبب عدم ثقته بالجماعة، واستبدل مسألة الصلح بهدنة، توقف فيها الجماعة الحملة على اتفاقية الجلاء، وتوقف إصدار النشرات، وقال: إذا نفذتم هذين الشرطين فلنا اجتماع آخر، أما إذا لم تفعلوا فلا اجتماع، ولا تلوموني بعد ذلك. وكان الجو داخل الإخوان متوترًا ومشحونًا ضد عبد الناصر، ولهذا باءت هذه الهدنة التي قد تؤدي إلى المصالحة بالفشل، بل وصف كل من أيد المهادنة والصلح منهم بالخيانة والمروق من الدعوة، وكان رأي المهادنين ليس إصلاحًا، بقدر ما هو تكتيك حركي يرى أن دخول معركة غير متكافئة مع ثورة عسكرية، هي معركة خاسرة بكل المقاييس، فلو أمكن الصلح بدلًا من الصدام، لتوفرت مهلة جيدة للجماعة، ريثما يصل التنظيم إلى مستوى مواجهة الثورة، وكانت نتيجة غلبة رأي المصعدين مقابل رأي المهادنين، حادثة محاولة اغتيال عبد الناصر في المنشية، وغيرها من الأحداث. ومن الطريف أن التنظيم كانت له في ذلك الوقت نشرة سرية تصدر بعنوان: «الإخوان في المعركة»، تهاجم الثورة ورجالها بعنف، وكان سيد قطب هو من يحرر هذه النشرة، وكتب في أحدها، أن القرضاوي والعسال قد مرقا من الدعوة، وانضما إلى ركب الخونة، بسبب رأيهما الموافق لمسألة الصلح والهدنة مع عبدالناصر، وهذا سر من أسرار كره القرضاوي لسيد قطب. عبدالناصر تعامل مع الإخوان كتنظيم إرهابي خارج على الدولة الوطنية، ومستبيح لهيبتها، وهذا الأمر أدى به إلى النجاح في وأد إرهاب الإخوان لما يقارب العقدين من الزمان، وهو الأمر الذي لم يدركه السادات في السبعينيات، خصوصًا مع النصيحة المخلصة لمصطفى خليل رئيس الوزراء المصري، الذي اعترض على مقترح وزير الداخلية النبوي إسماعيل، بأن يتم الاستعانة بالإخوان لمواجهة اليساريين، ورأي مصطفى خليل هو ما أقر بصوابه السادات ضمنًا، في خطابه الأخير في 5 سبتمبر 1981، قبل اغتياله بشهر واحد، وقال بوضوح، عن مسألة إخراج الإخوان من السجون: (أنا طلعت غلطان، كان لازم خليتهم في مكانهم). ولفهم كيفية عمل الجماعة من الداخل، فلابد أن ندرك أنه لا يوجد لديها أي شورى أو إجماع داخلي على أمر ما، وإنما هي الطاعة العمياء والفرض الملزم، ولذلك تكثر الانشقاقات في صفوفها، فهي كالمرجل دائم الغليان، بين شق يحث على النفاق والمداهنة حتى التمكين، وشقٍ ثانٍ يدعو لاغتصاب السلطة بشكل فوري، وغالبًا ما يعلو صوت المواجهة على صوت النفاق، وكلاهما يؤدي في النهاية إلى الإرهاب. ولك أن تمعن النظر في المحن التي مرت بها الجماعة من عام 1948، لو أنهم اتبعوا شق النفاق فيهم، كيف سيكون حالهم اليوم، ولولا خذلان الله لهم، ثم إخلاص المخلصين؛ لحدث ما لا يحمد عقباه. ومما استقر في ذهنية الجماعة الإرهابية، أن السجن مشكلة مؤقتة، مهما طالت، وأن الانفراجات بعده أكبر بكثير مما هو كائن قبله، وأن فرص التمكين بعده أعظم، الأمر الذي يجعلهم على ثقة مستمرة أن كل مرحلة زمنية لاحقة فيها من النصر والسؤدد، ما هو أكبر من كل الآمال والطموحات، ويمكن لك أن تعتبر وظيفة أحدهم في الحياة هي أن يقترف جرمًا في حق وطنه ويسجن عليه، فلا شيء يخشاه، فأمور معاشه وحياته بكل تفاصليها تتكفل بها الجماعة، إلى غاية وصوله حد الثراء، وهو إلى ذلك سيكسب صفة البطولة والشموخ ومواجهة الطغاة، ومن لا يصدق هذا، فليعطني مثالًا واحدًا على إخواني سجن، وصار سجنه عارٌ عليه، بل إن خيانته لوطنه ومجتمعه ينجو منها غالبًا، فكيف بالسجن الذي يقربه أحيانًا ممن عاقبوه به، ولك أن تتأمل ما يحدث لهم عادة بعد الإفراج من السجن، وأعظم مثال على ذلك، هو سيد قطب، والذي تحول من إرهابي يخطط لقلب نظام الحكم، وحرق القاهرة بمن فيها، وما فيها، إلى الشهيد سيد قطب.