يفضل بعض السعوديين الجلوس على الأرض في مجالسهم، ورحلاتهم، ومقاهيهم، ومن شدة تغلغل هذه العادة في نمط حياتهم، لا يخلو بيت من وجود مجلس خارجي أو ما يسمى بالملحق أو الديوانية في بيوتهم، سمته الرئيسة في التأثيث أن يكون على نسق خيمة تزينه جلسة عربية على الأرض. هذه العادة رغم أصالتها ونظراً لكونها موروثا اجتماعيا، إلا أنها لا تخلو من أضرار صحية جسيمة يغفل الكثيرون عنها، وقد لا تظهر أعراضه إلا في مراحل متقدمة من العمر. ويؤكد استشاري المخ والأعصاب ببرنامج الهيئة الملكية في الجبيل الدكتور محمود بخاري ل "الوطن"، أن مشاكل العظام والمفاصل، والعمود الفقري من الأمراض الشائعة في المجتمع، ويكاد لا يخلو منزل من شخص أو أكثر ممن يعانون من هذه المشاكل، وأكثرها شيوعاً: خشونة مفاصل الركبة، وآلام أسفل الظهر، الأمر الذي يوجب على الجميع تجنب كافة الظروف المؤدية لذلك، والمتسببة فيه. ويوضح أن أخطر العادات والسلوكيات الخاطئة التي تساعد على زيادة ظهور هذه المشاكل وسرعة تفاقمها هو الجلوس على الأرض لفترات طويلة عند تناول الطعام، أو في الاستراحات، أو عند قضاء الأوقات الترفيهية مثل لعب الورق وغير ذلك. حيث يكون العمود الفقري في هذه الجلسات غير مسنود، مما يعرضه للإجهاد، ومن ثم الخشونة والاحتكاك المبكر. فيما حذّر استشاري العظام في المستشفى العسكري بعسير الدكتور خالد عسيري، من الجلوس في وضعية التربيعة أو وضعية القرفصاء لمدة طويلة، لما يتسبب فيه من ضغوط شديدة على الغضاريف، والأربطة في مفصل الركبة، مما يؤدي إلى الخشونة وتآكل الركبة، كما أن قلة الرياضة أو انعدامها يؤدي إلى زيادة الوزن، وضعف وضمور في العضلات التي تساند المفاصل في الرقبة، وأسفل الظهر، وحول الركبتين، مما يزيد الضغط على المفاصل، وبالتالي ظهور أعراض وآلام فيها. كما أن مشاكل الجلوس الخاطئ عند استخدام الحاسب الآلي تسبب في آلام الرقبة وأسفل الظهر وآلام الرسغ واليدين عند الجلوس لفترات طويلة مع عدم إسناد الظهر، الأمر الذي يستوجب الجلوس والوقوف بوضعية صحية، وممارسة رياضة المشي بأحذية رياضية مناسبة، وتجنب العادات الغذائية السيئة، علماً أن تغيير العادات السلبية صحيا قد يكون صعباً في البداية، ولكن فوائده الصحية مهمة للغاية وذات قيمة عالية. من جانبها رصدت "الوطن" بعض آراء المواطنين في مناطق مختلفة حول هذه العادة السيئة صحياً، لتؤكد حقيقة تفضيلهم الجلوس على الأرض، رغم علمهم أنها سيئة صحياً. يقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الملك سعود الدكتور خالد آل هميل ل"الوطن": "الجلوس على الأرض تحتمه ظروف معينة، وتكثر في حياتنا، ولكن لا تمثل بالنسبة لي طبعاً يومياً، فألجأ إلى الحركة والسير داخل المنزل، حتى أثناء عملي في المكتب، وذلك لتفادي الأضرار الصحية للجلوس على الأرض أو حتى على الكرسي". في حين يرى وكيل كلية خدمة المجتمع والتعليم المستمر بجامعة الطائف الأستاذ المشارك الدكتور عايض الزهراني، أن الجلوس على الأرض في حياة السعوديين تنبع من إحساسهم بالامتزاج بالأرض، والصداقة التي تربطهم بها انطلاقا من قيم التواضع، وعدم الرسمية التي تتسم بها حياتهم، حيث يفضلونها في استراحاتهم، ومجالسهم الخاصة فيما بينهم كأصدقاء، ومن الصعب التخلص منها، ولكن الاهتمام بالجوانب الصحية في هذا الأمر ضروري جدا لتفادي الآثار السلبية لهذه العادة صحياً خاصة مع تقدم العمر. يقول الموظف بوزارة الإعلام صالح الحريري، "تعودنا على الجلوس على الأرض لأنه يحقق الراحة النفسية، خاصة في الجلسات غير الرسمية، فيكون الإنسان أقرب وجدانياً لمن يجلس معهم، وربما لو ألقي الضوء بصورة مكثفة على أضرار هذه العادة، لساهم في تغيير هذا النمط الحياتي للأفضل باعتماد الجلوس على الكنب أو ما شابه. على الرغم من أن بيوتنا لا تخلو من الكنب والكراسي التي نعتمدها في جلوسنا اليومي، ولكن يبقى الجلوس على الأرض حاضراً في يومنا بشكل أو بآخر".