بعد انكشاف خطورة فكر ومنهاج الخطاب الذي كنا نستمع إليه من خلال المنابر والمخيمات الدعوية، من أصحاب الفكر المُتطرف، والذي تمت محاربته والتصدي له، أقرت القوانين والضوابط والمعايير، من قبل الجهات المعنية لهذه النشاطات، وفرضت الرقابة عليها، وجففت منابعها، وحيدت المروجين لها، للمحافظة على السلم الاجتماعي ومكوناته والحد من مظاهر التطرف والغلو فيه. كانوا يروجون من خلال تلك المنابر والمخيمات لأطروحاتهم المُتطرفة، التي تُكفر كل من يخالفهم وتُصنف أفراد المجتمع لفئات وجماعات، تبث فكر الإقصاء وتقييد الحريات والوصاية وتحريم كل أمر يتعارض مع فكرهم. وبعد فرض القانون والرقابة، لم يعد لهم في أماكن ظهورهم السابقة مُتسع لأن يعبثون بالمجتمع وأفراده، ويفرضون عليه معتقدات تخالف، ليس طبيعته فحسب، بل تخالف سياسة المملكة العربية السعودية الراسخة والقائمة على العدل والوسطية والاعتدال والسلام. لكن ورغم فرض القانون والرقابة، لم يهدأ أصحاب تلك التيارات، ولم يعوا الرفض الاجتماعي لهم، فاتخذوا من منصات التواصل الاجتماعي منبرًا لهم، للاستمرار في نشر أيديولوجياتهم المتطرفة والمبنية على مناهج هي في الأساس تُخالف تعاليم الدين الإسلامي بسماحته وقيمه. ولم يكتفوا بذلك، بل تسللوا إلى أوساط المجتمع من خلال (مهنة المحاماة والاستشارات القانونية)، والتي وجدوا فيها بيئة مناسبة لهم للأسف. وما يكشف أصحاب هذا التيار عدة سلوكيات، منها إسقاطهم للغة القانون وقواعده وأسسه لعدم معرفتهم وقناعتهم به أساسًا كعلم قائم، وكذلك دأبهم على إفراغ نصوص القانون من مدلولاته التي وضعها المُشرع، وخلطهم أيضًا بين لغة القانون ولغة الفقه الشرعي القائم على أفكارهم المتطرفة، والذي لا يُمكن أن يكون ضمن الصياغة القانونية الخاصة بالقواعد القانونية. لا نجد لديهم أدنى علم بأبسط القواعد القانونية، بالتفريق ما بين القواعد الآمرة والقواعد المُكملة، والتي تُؤسس عليها القاعدة القانونية. لأنهم وبكل بساطة لم يدرسوا القانون كعلم مستقل بذاته. ولذلك كله، نراهم في مقاطعهم الصوتية والمُصورة وتغريداتهم وجُل حديثهم ورسائلهم وأطروحاتهم ومشاركاتهم يُسقطون قوة القانون في سبيل تعزيز الآراء الفقهية الشرعية المختلفة، هادفين إلى هدم تطبيق القانون وإفراغه من مضامينه العادلة ومن التزاماته. كما رأينا بكل أسف من خلال مواقع التواصل الاجتماعي منتسبين للمهنة يروجون بصورة مباشرة وغير مباشرة لثقافة إنكار القانون وعدم الالتزام به، بل إن بعضهم نادى بأن هذه القوانين وضعية من صُنع البشر، وأنها تخالف الدين الإسلامي، وأنه لا يجوز الأخذ بها، بل رأينا من يُكفر خريجي كليات الحقوق والقانون، أو من يطعن في دينهم، أو من ينتقص من تعليمهم، أو من يقول إن ليس لديهم القدرة والأدوات والمعرفة في العلم والفقه الشرعي. ومما رأينا أيضًا تخلي الكثير منهم عن الترافع عن النساء في قضايا الأحوال الشخصية أو عدم قبول القضايا أو تقديم الاستشارات والخدمات القانونية للنساء بشكل عام، بل والأخطر ما رأيناه من الانتقاص والتهكم من (المرأة المحامية). ورأينا كذلك من يُحرم الدفاع عن المُتهمين في القضايا الجنائية وغيرها، والكثير من الممارسات والسلوكيات التي نراها كل يوم تهدم رسالة المحاماة السامية، وتكون صورة ذهنية لدى الفرد تُخالف مبادئ هذه المهنة العظيمة. إن المحافظة على رسالة المحاماة مطلب، وإيصال عقيدتها مهمة ليست بالسهلة، وغاية لا تُدرك بين عشية وضحاها؛ لأن المحاماة ضرورة اجتماعية وحياتية لضمان المحافظة على حق الفرد؛ وبالتالي المجتمع بأكمله. ولحماية المهنة أصبح من الضرورة إعادة النظر في الكثير من نصوص نظام المحاماة وتعديلها، لتكون هناك حماية فاعلة بموجب نص قانون يحد من اقتحام التيارات المُتطرفة لقطاع المحاماة والاستشارات القانونية للعبث به وفق أيديولوجية ومعتقدات تتنافى مع رسالة الحق والعدل والشرف والكرامة وتحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون، وكفالة حق الدفاع عن حقوق الأفراد وحرياتهم.