تعيش المملكة طفرات جديدة على مستويات متعددة، كان من أبرزها إصلاحات على مستوى تطوير البيئة التشريعية، من خلال استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وتُرسِّخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان وتحقّق التنمية الشاملة، وتعزّز تنافسية المملكة عالمياً من خلال مرجعياتٍ مؤسسيةٍ إجرائيةٍ وموضوعيةٍ واضحةٍ ومحددةٍ، وتعد مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي إحدى الوسائل المهمة في تنوير وتثقيف المجتمع بالإصلاحات التي تمت في حقل القضاء، حيث تحتم المسؤولية الاجتماعية على العاملين في سلك القانون تعريف وتوعية الناس بتفاصيل القرارات وحيثياتها، إلاّ أنّه وعلى الرغم من الضوابط المعدة من هيئة المحامين السعوديين للظهور الإعلامي للحاصلين على رخصة ممارسة المهنة، يحاول بعض المحامين التسويق لأنفسهم ومكاتبهم بشكل غير مباشر عبر إثارة الجدل والتسرع في تفسير القوانين في كل مرة يعلن فيها عن تحديث أو تعديل في أي قرار، مما دفع بالمطالبة بالمزيد من الضبط والتقنين للآراء المخالفة لقواعد السلوك لمهنة المحاماة التي تشير إلى ضرورة ألاّ يكون الظهور الإعلامي للمحامي مضللاً أو كاذباً أو مخادعاً، وأن لا يظهر بمظهر غير لائق في حسابات الإلكترونية وأن لا ينتهك خصوصية عملائه أو غيرهم مفشياً عن معلوماتهم، من خلال إعلان كسب قضية حساسة على سمعة أو شرف موكله، حتى يحسن سمعته المهنية، "الرياض" فتحت هذا الملف وتابعت ما يظهر ما بين الفينة والأخرى من تغريدات ومواد عبر وسائل التواصل المختلفة تتحدث عن بعض التصرفات المجتمعية وغيرها وتجرمها وتسند ذلك إلى الأنظمة والتشريعات وهي مجرد تفسيرات خاطئة للأنظمة، وطرحت عدداً من الأسئلة على أعضاء الشورى المتخصصين في الشريعة والقانون والخبراء في التشريعات والأنظمة، وتساءلت كيف هو واقع المحاماة والاستشارات القانونية في تفسيرات الأنظمة، وكيف يمكن تقنين بعض هذه التصرفات من رجال القانون، وهل في نظام المحاماة أو نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية ما يحد ويضبط أعمال المحامين ومشاركتهم في مواقع التواصل والإعلام، وغير ذلك. فأكد عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة جازان سابقاً عضو مجلس الشورى د. عاصم محمد مدخلي على وجوب تجنب المحامين بصفة عامة والمحامي المبتدئ في مزاولة المهنة التفسيرات الخاطئة للأنظمة، وأن يدرك أن تفسير النظام بالنظر إلى من يقوم به ينقسم إلى ثلاثة أقسام؛ أولها: التفسير التشريعي، وهو الذي يصدر من واضع التشريع نفسه ويكون موضوعه بيان الغموض في تشريع سابق، وثانيها: التفسير القضائي، والذي يقوم به رجال القضاء عند تطبيقهم للقاعدة القانونية على الدعوى المعروضة أمامهم، وثالثها: التفسير الفقهي، وهو التفسير الذي تتضمنه كتب وأدبيات فقه النظام وما يدونه شراح النظام في مصنفاتهم من تعليقات على النصوص النظامية وأحكام المحاكم. التفسير المضلل للأنظمة قد يزيد من القضايا المبنية على أسس ضعيفة ويضر بأصحابها تطور المحاماة وقال مدخلي: "إن مهنة المحاماة في المملكة حظيت بتطور ملحوظ ومتسارع لكون مكاتب المحاماة في المملكة شريك أساسي في رفع كفاءة المنظومة العدلية، فقد اهتمت الدولة بالرعاية والتطوير لمهنة المحاماة من خلال سن نظام المحاماة الصادر في الثامن والعشرين من شهر رجب عام 1422 وما طرأ عليه مؤخراً من تعديلات حديثة في منتصف رجب الماضي، وكذلك أنشأت الدولة الهيئة السعودية للمحامين بموجب قرار مجلس الوزراء في الثامن من رجب عام 1436 وهي هيئة مهنية تتمتع بشخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة، لها أهداف وصلاحيات، ولها ثلاثة أنواع من العضوية، وللهيئة جمعية عمومية، ولجنة عامة للانتخابات وللجمعية العمومية اختصاصات، ومجلس لإدارة الهيئة، ومدته ثلاث سنوات وله اختصاصات، ويمثل المجلس رئيس مجلس الإدارة، كما أن للهيئة أمين عام وأمين مساعد". د. الجرباء يجدد المطالبة بدمج تدريس الأنظمة مع الشريعة بيئة جاذبة ويرى د. مدخلي أن هذا التنظيم للمهنة يعد من أبرز الممكنات التنظيمية التي من شأنها أن تحقق بيئة جاذبة وقواعد منهجية وعملاً مؤسسياً بهدف أن مهنة المحاماة تعد شريكاً مساهماً في رفع كفاءة المنظومة العدلية، وهذه الشراكة تتكئ إلى تعريف المحاماة وقد عرفت المادة (الأولى) المحاماة بأنها: "الترافع عن الغير أمام المحاكم وديوان المظالم، واللجان المشكلة بموجب الأنظمة والأوامر والقرارات لنظر القضايا الداخلة في اختصاصها، ومزاولة الاستشارات الشرعية والنظامية، ويسمى من يزاول هذه المهنة محاميا، ويحق لكل شخص أن يترافع عن نفسه"، فالمحامي مساعد للقاضي في الوصول إلى الحق، ولذا نجد بعض القوانين نصت صراحة على هذا الدور وفي الحقيقة تعد مهنة المحاماة من المهن السامية قدراً ومكانة، لأن رسالتها هي تحقيق العدالة، وبالتالي كان من المتعين أن يكون لهذه المهنة قواعد للسلوك المهني تفرض على المحامين ضرورة الحياد، والمحافظة على خصوصية العملاء، وحماية سرية المعلومات، وعدم نشر وقائع التحقيقات والمحاكمات. ولذا من الأخطاء التي يعتقدها بعض المبتدئين في المهنة هو الظن بأن تأهيل المحامي هو فقط الحصول على الدرجة العلمية سواء بكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراة في الشريعة أو (الأنظمة / القانون / الحقوق). تعيش المملكة طفرة تشريعية تشوهها اجتهادات بعض القانونيين أخطاء شائعة ويقول عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة جازان سابقاً: "إنه يخطئ من يعتقد أن صناعة المحامي هي مجرد إجادة توظيف الكلام أو أن حصر دراسته لكتب الشريعة والقانون، إذ المحامي الحاذق يجب أن تستمر مطالعته ودراساته بصفة مستمرة للمستجدات في مجال تخصصه على مستوى حياته المهنية، وتمتد مطالعته ودراساته بالإضافة إلى كتب الشريعة والقانون المدونات والأحكام والمبادئ والموسوعات العلمية والقضائية وكتب الأدب والتاريخ والفلسفة والمنطق والاجتماع والاقتصاد وعلم النفس، فمهنة المحامي قائمة على ثقافة متنوعة متجددة واطلاع دائم بمستجدات تخصصه فضلاً عن اطلاعه عن مبادئ العلوم - آنفة الذكر - لكي يكون لديه المُكنة والاضطلاع بمهمة الدفاع في القضايا المختلفة التي يترافع فيها أو يقدم الاستشارة فيها سواء أكانت مدنية، أو تجارية، جزائية، أو إدارية، أو عمالية، أو مالية وضرائبية أو غير ذلك، وإذا لم يكن المحامي مواكباً للمستجدات في مختلف الأنظمة واللوائح والقرارات وكتب الشراح وأحدث الأحكام، في الفرع أو أكثر الذي تخصص فيه من تلك الفروع أو غيرها، فإنه سيجد نفسه متأخراً ومقصراً في القيام بمقتضيات واجباته المهنية". وتابع: "لما كان لمشاركات المحامي وتعليقاته وآرائه من أهمية بالغة تمليها قواعد السلوك المهني في المملكة بل إن مختلف دول العالم اهتمت بإصدار قواعد للسلوك المهني والزمت بها المحامين وقد هدفت وثيقة قواعد السلوك المهني للمحامين في المملكة العربية السعودية الصادرة قبل نحو عام إلى جملة من الأهداف من أبرزها تطوير مهنة المحاماة والارتقاء بمعاييرها المهنية، وضبط مسؤولية المحامي في ممارسته لمهنته، وتوضيح مسؤوليته تجاه عملائه وزملائه والجهات العدلية والمجتمع، فضلاً عن تعزيز الحماية النظامية للمحامي ولعملائه وللأطراف الأخرى ذوات العلاقة. وتعزيز مبادئ الشفافية والمسؤولية في ممارسات المحامي المهنية، وأيضاً رفع كفاءة أداء المنظومة العدلية بزيادة مستوى الاحتراف القانوني، وتعزيز جوانبه الوقائية". وثيقة السلوك المهني وبين د. مدخلي أنّ وثيقة قواعد السلوك المهني للمحامين تعد من أهم الأمور التي يجب على المحامين الحرص على التقيد بأحكامها ولا سيما المبتدئين في مهنة المحاماة ومن ذلك تعامل المحامي مع الإعلام حيث أفردت الوثيقة الفصل السادس لتعامل المحامي مع الإعلام، حيث أشارت الفقرتان الأولى والثالثة من القاعدة 37 إلى أن المحامي يلتزم في حال مشاركته في وسائل الإعلام والإعلان بما في ذلك وسائل النشر الإلكتروني بالأنظمة والقواعد والقرارات ذات الصلة، وكذلك تجنب ممارسة أي صورة من صور التضليل أو التزييف أو الخداع، وما لا يليق بشرف المهنة. وأضاف: "لذا يجب على المحامي أن يدرك أن تفسير النظام بالنظر إلى من يقوم به ينقسم إلى ثلاثة أقسام المشار إليها، وهنا ملحوظة جديرة بالاهتمام وهي أن يحرص المحامي على التوازن بين دوره المحمود والمأمول في خدمة المجتمع وذوي الحاجة بالتطوع والمبادرات المجتمعية، وفق ما تقضي به الأنظمة ذات الصلة، وبين وقوعه في بعض المحظورات المهنية دون أن يشعر". وأشار إلى أنّه من خلال الواقع العملي قد يبادر بعض المحامين المبتدئين بالتسرع في إجراء التصريحات الإعلامية أو التعليق على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي بالقطع بالتكييف النظامي أو القيام ببعض التفسيرات الخاطئة لبعض أحكام الأنظمة واللوائح أو التسرع في افتراض التنبؤ بالأحكام على بعض التصرفات المحددة والسلوكيات المجتمعية المعينة الصادرة من بعض الأشخاص دون الإلمام بكافة ملابساتها وقبل إحالة فاعلها أو فاعليها إلى الجهات ذات الاختصاص وقبل صدور الأحكام المكتسبة القطعية في حقهم، أو قيام البعض بالتعليق والشرح وتفسير مواد بعض مشروعات الأنظمة وهي في مرحلة استطلاع الرأي وقبل صدورها بالأداة النظامية، أو تفسير بعض مواد النظام حديث الإصدار قبل صدور اللائحة التنفيذية، إلى غير ذلك من سلوكيات أخرى لا تنسجم مع ما نصت عليه المادة (الحادية عشرة) من نظام المحاماة بأن: "على المحامي مزاولة مهنته وفقا للأصول الشرعية والأنظمة المرعية، والامتناع عن أي عمل يخل بكرامتها، واحترام القواعد والتعليمات الصادرة في هذا الشأن"، وما نصت عليه اللائحة التنفيذية (11-8) بأن "على المحامي العمل بمقتضى القواعد والتعليمات المبلغة من الوزارة". الرقابة على المخالفات وتبرز أهمية الرقابة على بعض المخالفات المسلكية والحرص الذاتي على التقيد بوثيقة قواعد السلوك المهني، والابتعاد والحظر من بعض السلوكيات المخالفة - آنفة الذكر -، وهي ولله الحمد نادرة، فالمجتمع القانوني لدينا في المملكة في تطور مهاري ومعرفي مستمر وزاخر بنماذج مشرقة ومشرفة لمحامين ومحاميات يفخر بهم الوطن، وجهودهم تذكر فتشكر في خدمة الوطن والمواطن والمقيم، وهم من تلقاء أنفسهم ينوهون بأي سلوكيات تتنافى ومبادئ وأخلاقيات المهنة، والتي قد تدخل مرتكبها إلى حيز المخالفة المسلكية وتعرض الشخص إلى العقوبات التأديبية وفقاً لقواعد وإجراءات الضبط ورفع الدعوى التأديبية ونظرها بما يتناسب مع طبيعتها الوارد في نظام المحاماة. دمج القانون بالشريعة وجدد الخبير القانوني في هيئة الخبراء بمجلس الوزراء وعضو مجلس الشورى د. محمد بن عبدالعزيز الجرباء مطالبته بدمج تدريس الأنظمة مع الشريعة الإسلامية ليكون الخريج عارفاً بالفقه وأصوله والقوانين المحلية والدولية؛ قائلاً: "ما زلت أوجه هذا المطلب إلى وزارة التعليم ووزارة العدل، إذ رغم استشرافي للمستقبل منذ ما يزيد على ربع قرن من الزمان ونشري للمقترح أعتقد أنّ الأوان آن لتحقيقه، خاصة مع ما تتضمنه رؤية المملكة، والنقلات النوعية التي تشهدها وزارة العدل، بالإضافة إلى أنّ سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله ورعاه- أحد رجال القانون المعتبرين، وقد شرفت بزمالته في هيئة الخبراء بمجلس الوزراء وفي المكتب الخاص في الديوان، وأعتقد أنّه آن الأوان لتحقيق التكامل المنشود بين القانون والشريعة". البحث عن الشهرة ولفت الجرباء إلى أنّه يجب أنّ يعلم أنّ النصوص القانونية الواردة في الأنظمة والصادرة من السلطة التشريعية في الدولة درست بعناية في مراحل متعددة، ومن ثم صدرت وتوجت بمرسوم ملكي، وعلى ذلك فالأحكام الواردة فيها محددة ومقصودة لتنظم نشاطاً معيناً وتحكم سلوكاً محدداً ومقرونة بجزاء يطبق على من يخالف القاعدة القانونية الواردة في صلب النظام؛ مما يوجب عدم العبث في هذه الأمور بحثاً عن الشهرة ونحوها بتداول معلومات مغلوطة أو اجتهادات لا تستند على علم بيّن، وهذه الأمور بطبيعة الحال لا تخفى على أهل الصنف وذوي الاختصاص، ولكن الإشكال في العامة ودهماء الناس الذين قد يلبس المحامي أو القانوني عليهم، وينقل لهم معلومات خاطئة قد يترتب عليها ضرراً نتيجة الإخلال بالأنظمة القائمة، ويمكن للجهات المختصة مساءلة هؤلاء وفقاً للقواعد العامة في الشريعة الإسلامية والنصوص القانونية، كما يمكن أن يرفع العامة المتضررون من هذا الطرح قضايا على المشاهير في مواقع التواصل الذين يتداولون النصوص والقضايا القانونية بطرق مشبوهة، وذلك وفق نظام مكافحة الجرائم الإلكترونية. الالتزام بالتخصص وبيّن الجرباء أنّ المحامين في مواقع التواصل وحتى في المكاتب القانونية ينقسمون إلى قسمين: خريج كلية الشريعة أو خريج كلية القانون، مشدداً على ضرورة أن يتقيد كل منهم بمجاله وتخصصه، بل حتى عليه أن يشير لذلك في لوحة مكتبه، منوهاً بأنّ هذا يمنع حدوث تلبيس على الناس، ويكشف من يتكلم في ما ليس من تخصصه واختصاصه، مستدركاً: "لم نتحدث عن أولئك المحامين الذين لا يحملون درجة البكالوريوس لا في القانون ولا في الشريعة، وهؤلاء يجب على وزارة العدل إعادة النظر في منحهم التراخيص؛ لأنه كما يعلم الجميع التخصص هو فقط في مرحلة البكالوريوس". وتابع: " فيما يتعلق بمن اشتهروا على أنهم صناع محتوى قانوني في مواقع التواصل، قد لا يكونوا بالضرورة أصحاب تخصصات علمية قانونية، لكنهم يستغلون الشغف الموجود لدى العامة لمعرفة القانون والأنظمة ويتكسبون من وراء ذلك، ومن هنا أقترح على وزارة الإعلام والتجارة بضرورة صدور نظام للإعلان والتسويق، حتى يحكم على ما يحدث في عالم الإعلانات ويضبط المخالفات، بل ويمكن أن يكون داعما للإيرادات غير النفطية، إذ تتحرك في هذا المجال أموال ضخمة". د. محمد الجرباء