يعرف الناس في منطقة عسير «السبرة» بأنها حالة مطرية شديدة الغزارة تستمر لعدة أيام بلياليها، كان ينتج عنها تهدم المنازل الطينية، غرق الدروب والمزارع، سيل الأودية والشعاب، انقطاع السُبل، توقف نشاطات الحياة، وما زال أهل أبها ممن هم على قيد الحياة يتذكرون سبرة الثمانينيات الهجرية. ورغم ما كانت تخلفه تلك الظاهرة من فزع ومعاناة قاسية فإن القيم والشيم كانت حاضرة بمعانيها الجميلة من مساعدات وتعاون وإغاثة وجبر خواطر، وهذا ما جعل حكايات السبار لا تغيب عن مجالس السمر حتى وقتنا الحاضر. منذ أيام أزاح الأديب القاص محمد بن علي علوان الستار عن قصتة الإبداعية «السبرة»، التي سارت بها الركبان كأول عمل قصصي يحكي عن هذه الظاهرة على مستوى المشهد الثقافي في المملكة، في حين كتب الشاعر الإعلامي أحمد بن عبدالله عسيري مقالاً قبل ثمانية أعوام عن «السبرة في القرية» استهله بتعريف السبار في المعاجم، مشيرًا إلى أن أهل عسير يحفظون هذا المصطلح. ووصف ليلها بلغة شاعرية تقطر عذوبة، فقال: «حين تهجع القرية بعينيها الخافتتين تلوك هواجسها الليلية في انتظار ممض لمشارف الفجر لتلمس بكفوفها عبق الطين وأبواب الشجر المبتل بمساكب «السبرة وعنفوان الليل المطير»، والتقط عسيري بروح ابن القرية مشاهد انتهاء السبرة وكأنه يرسم كلماته بألوان الطيف، وتراتيل الجمال من فوق رابية في قريته الملاحة»، رأيتهم وهم ينحدرون إلى حبلائهم والحبل في معاجم اللغة الزرع ونحوه امتلأت سنابله حبًا.. يهبطون كالأفلاك ليتفقدوا ما جرفته المياه الهادرة، وما أحدثته من مفاعيل وانهدامات في فضاءات القرية. وتوج عسيري مقاله بصور بلاغية راقية وهو يُثني على الإنسان، وقد شمر عن ساعديه لإعادة ما تهدم بالبهجة والعشق الصاخب إذ يعود كل شيء كما كان حتى فراشات الوادي وعطر المواويل ودفء الغدران ورائحة البخور ونسيم العشايا، وجاءت قصة (السبرة) للأديب القاص محمد علوان كقدرة إبداعية على استرجاع أحداث حقيقية وتوثيق مشاهد ومواقف إنسانية. وتجلت عبقرية السرد القصصي مع بدايات ضحى يوم سوق الثلاثاء، وارتعاش أنفاس المتسوقين منذ مشاهدتهم السحب السوداء وهي تطوق سماء أبها، ومعرفتهم بالفطرة أن الأجواء تُنبئ -بإذن الله- عن حالة مطرية غير عادية؛ لذلك بدأ الناس في عجلة من أمرهم، واستطاع محمد علون أن يوظف في قصته خبرة السنين، وكان شاهد عيان على أحداث السبرة من نافذة منزله المطل على ساحتي البحار والسوق. وهذا ما جعل القصة متفردة بحبكة فنية في غابة الروعة، مع تعدد مشاهدها عندما أخذت السحب السوداء فوق الجبال غرب أبها تدلق مياهها على الوديان والأرض والبشر والمنازل الطينية المتشابهة، ووادي أبها يئن من السيول الضخمة. ولم يغفل علوان لمحات درامية إنسانية، وذلك الحوار بين عايض ووالدته في ليلة السبرة وزخات المطر تزداد والبرق يضييء المدينة، والثلج يتمدد بأذرعه في كل مكان، وتناولت القصة تجمع الأهالي في البيوت الواسعة وداخل الخيام، والمواساة فيما بينهم حتى انقشاع الغيوم وبزوغ يوم مشمس جديد. إن قصة «السبرة» من الروائع.. أتمنى من المسؤولين في منطقة عسير ومن وزارة الثقافة «هيئة الأفلام» تبني هذا العمل وتحويله إلى فيلم سينمائي، وربما يكون نجاحه -بإذن الله- مقدمة لأعمال سينمائية سعودية مصدرها التنوع الفريد لتراث منطقة عسير، وتراث مناطق بلادنا الحبيبة. ويرى شيخ المخرجين في التليفزيون السعودي صافي المفتي قصة السبرة بأنها مؤهلة لعمل سينمائي درامي متى ما توفر كاتب سيناريو ماهر، وشركة إنتاج متخصصة وتمويل جيد وتجهيزات على مستوى الحدث، وتحديد المواقع المناسبة في أبها، واختيار ممثلين مبدعين وعناصر مدربة.