ظاهرة قديمة ومزمنة تتجدد باستمرار في معظم مدننا وتسبب في معاناة للمواطنين والمقيمين على حد سواء، هي تكرار حفر الشوارع الرئيسية والفرعية لإيصال أو إصلاح الخدمات من ماء وكهرباء وصرف صحي واتصالات، مما يستلزم إغلاق الطرق، والتسبب في حالة من الفوضى والتلوث البصري، مع ما يستتبع ذلك من ضوضاء تقلق سكان المنطقة وتعطل حركتهم. ولا يختلف اثنان على الأضرار التي تصاحب تلك الظاهرة، من التلوث البصري والبيئي وإهدار الأموال وتعطيل حياة الناس، إضافة إلى أن عدم قدرة البعض على إيقاف سياراتهم بجوار منازلهم بسبب انقطاع الطرق يدفعهم أحيانا لإيقافها في شوارع أخرى وهو ما قد يتسبب في مضايقة الآخرين ومنازعتهم على المواقف الخاصة بهم، كل هذا بسبب لوحة مكتوب عليها ( عذراً على إزعاجكم !!) ومع أن هذه القضية حظيت بتغطية إعلامية متكررة، وأسهب كثيرون في الكتابة عنها، وقدمت بشأنها شكاوى كثيرة للبلديات والجهات المختصة، إلا أنها ما زالت متواصلة وبوتيرة متسارعة مما يرفع الكثير من علامات الاستفهام، هل الأمر مجرد سوء تخطيط وعدم تنسيق بين الإدرات المختلفة المختصة بالخدمات؟ أم أن هناك أسبابا أخرى؟!! حيث تزايدت هذه الظاهرة مؤخرا وارتفعت في العديد من المدن، ولأننا أيضا نشهد ما تبذله المملكة لمحاربة الهدر والاهتمام بكفاءة الإنفاق والعناية بقضايا البيئة ومحاربة التلوث والاهتمام بجودة الحياة، فإن ذلك يستلزم من الجهات المختصة تحركاً أكثر فاعلية لوقف هذه الظاهرة. أولى الخطوات الضرورية هي إنشاء إدارة مختصة في كافة البلديات تتولى التنسيق بين شركات المياه والاتصالات والكهرباء والصرف الصحي بحيث تتم الأعمال في وقت واحد لتفادي تكرار الحفر أكثر من مرة في نفس الموقع، مع فرض غرامات مالية على الشركات التي لا تلتزم بالتنسيق المسبق. كذلك لا بد من الاهتمام والتشدد في تطبيق كود البناء والمواصفات القياسية الخاصة بمشاريع البنية التحتية، وإلزام جميع الشركات بصيانة الشوارع وكافة مرافق البنية التحتية المرتبطة بعملياتها وفق معايير محددة ومواصفات رفيعة. ربما يقول البعض إن ذلك موجود وهذا صحيح، ولكن للأسف لم يتم تطبيقه بالصورة المطلوبة حتى الآن، فعلى سبيل المثال، هناك الكثير من أسوار لمرافق حكومية متهدمة، وبعض الأرصفة المتهالكة، والعديد من الشوارع التي يتم رصفها مرتين سنويا، والحفريات والطرق المغلقة لأعمال الصيانة وغير ذلك من الحالات المشابهة. السبب في ذلك هو أن من قاموا بتنفيذ تلك الأعمال سابقاً، لم يتحروا أعلى مستويات الجودة في أعمالهم مما أثر على مدى كفاءة العمل وديمومته. والآن ونحن نعيش فترة محاربة الفساد فإن هناك ضرورة ملحة لإعادة تقييم مشاريع البنية التحتية التي تم إنجازها خلال الفترة الماضية في كافة المدن والقرى ومراجعتها والتأكد من مطابقتها للاشتراطات وتوافقها مع المواصفات والمقاييس المعتمدة والتي على أساسها تم صرف المستحقات والمستخلصات. هذه المراجعة ضرورية لتأكيد الوعد الذي قطعته القيادة بأن القانون سيطال الجميع «كائنا من كان»، وأن كل من أخطأ في حق الوطن لن ينجو بفعلته. هذه المفاهيم الرائدة يجب أن تسود في حياتنا العملية، ونحن مكلفون بأن نكون عينا على مواطن الخلل والاستهتار بالمال العام، فتلك أولى متطلبات المواطنة الصالح.