أكد الباحث الجزائري عبدالله عبان خلال بحثه لنيل درجة الماجستير المعنون ب"إشكالية المثاقفة في النقد العربي المعاصر.. سعد البازعي أنموذجا"، أن البازعي أراد عبر متابعته لاستقبال المناهج والمفاهيم والمصطلحات النقدية المختلفة في الثقافة العربية أن يقدم تحليلا دقيقا لما يحيط بعملية المثاقفة النقدية من إشكالات وتأزمات، تفرض على الناقد العربي أن يكون على وعي كبير بالسياقات الثقافية والمعرفية لهذه المناهج. وأكد عبان "أن هذه الإشكالات والتأزمات تفرض على الناقد أن يستوعب السياقات والمؤثرات الثقافية العربية استيعابا يمكنه من تصور العلاقة الصحيحة بينها وبين المفاهيم الوافدة؛ لأن هذه المفاهيم ليست مفاهيم مطلقة ومتعالية يعجز العقل العربي عن نقدها ومراجعتها وربما نقضها واستبدالها، ولكنها مفاهيم متصلة بسياقها التاريخي والثقافي والمعرفي وهو ما أدركه المفكر والناقد الغربي الذي لم يتوقف عند نقده لهذه المفاهيم بل ذهب ينتقد ويراجع أصولها وجذورها الأولية بما في ذلك العلوم التي نشأت عنها". وسلط البحث الضوء على موقف البازعي من هذه المثاقفة خاصة في كتابه "استقبال الآخر، الغرب في النقد العربي الحديث"، مركزا على تناول إشكالية المثاقفة النقدية العربية مع الآخر وعلى الجهد التحليلي المتميز، الذي أجراه البازعي، محاولا استقصاء ملامح تجربة "البازعي" في نقد المثاقفة النقدية منذ بداياتها إلى أحدث مراحلها. وتعرض عبان إلى طرح "البازعي" حول هذه المثاقفة لمدى تمثلها للهوية النقدية العربية من جهة، وفهمها للآخر من جهة ثانية، وذلك من خلال ما يقدمه البازعي حول فرضية اجتزاء السياق أو الخروج بالفكر النقدي الغربي عن شروطه وظروفه وخصائصه، وبتر المناهج والمفاهيم والمصطلحات عن صلاتها وعوالقها الفلسفية والمعرفية. وأكد أن المثاقفة النقدية كجزء هام من المثاقفة الثقافية ليست عملا تبسيطيا اختزاليا، ولكنها معاناة منهجية تطمح إلى بعث الروح النقدية العربية، واستنبات تجربة نقدية عربية خالصة، مشيرا إلى أن المثاقفة النقدية على هذا النحو هي المسعى الذي حاول البازعي" أن يقرره كمبدأ أصيل في تصور الممارسة النقدية القائمة على التفاعل الإيجابي مع الآخر الغربي. فالبازعي - بحسب عبان - يركز على أولوية السياق في تحديد صور المثاقفة بوصفه مؤثرا أساسيا في إنتاج القيم والمعارف المختلفة. وسعى البحث إلى الكشف عن مفهوم المثاقفة تأسيسا على المعنى اللغوي الذي يفيد المشاركة والإسهام، ومن ثم تدرج البحث في عرض مصطلح المثاقفة، وظروف نشأته وعوامل تطوره واكتماله كمفهوم ناضج ومستقل، ودلالته في سياق النقد الأدبي، متحولا إلى معالجة إشكالية علاقة المثاقفة بالخصوصية الثقافية؛ وذلك ببسط مفهوم الخصوصية الثقافية والنقدية على وجه الخصوص، وتحليل الارتباط الوثيق بين الخصوصية الثقافية - بما هي تجسيد للهوية - وبين المثاقفة بوصفها اقتباسا فكريا ومعرفيا من الآخر الذي يفترض أن يكون النمط الفكري والثقافي المناقض للأنا أو المتجاوز لها في أحسن الأحوال.