خلص كشف عن النصوص الشعرية التي حملت أنساقًا مضمرة، وأيديولوجية مختلفة، إلى أن تجربة الشاعر الذاتية منعكسة على الآخر، وصنفت الدراسة التي اشتغلت عليها موج يوسف وبحثت (الذات والمجتمع في شعر أمل دنقل) وصدرت في كتاب، أنماطا متعددة لهذا الآخر منها (الشعب، والسلطة، والموت). وبررت الدراسة الصادرة عن «أبجد للترجمة والنشر والتوزيع في أربيل بالعراق»، انعكاس تجربة الشاعر، بسبب تمرد الذات وأنها أرادت أن تعيش ذاتًا سلطوية، لكنها فشلت حتى توالت عليها الخيبات مستمرة، ما جعل الآخر يظهر بهذه الصورة. لافتة إلى أن «الشاعر ابن مجتمعه كان ناقلًا للهموم الاجتماعية بالدرجة الأولى، منتفضًا على من أوقع الشعب بالمتاهات، وهاجم ناقمي الشعوب بأنساقه التي أظهرت حلمه بأن يعتلي عرشًا سلطويًا؛ ليرفع الأمة من جب معاناتها، ويكون مصلحًا اجتماعيًا، وسياسيًا ويطبق أفكاره». من القبلية إلى الإسلامية في الحديث عن مظاهر الذات في الشعر العربي انقادت الباحثة إلى ما سمته التساؤلات عبر خانة ضيقة في البحث، هل كان الشاعر العربي القديم واعيًا بذاتيه؟ وأوضحت «إن أجبنا بنعم فهذا يتنافى مع الشعر القديم ولا سيما الجاهلي الذي علا فيه صوت القبيلة وهيمنة (نحن) الجماعة على حساب الأنا، وكما هو معروف أن الذات قد ارتبطت بمفهوم الجوهر والماهية أو الحقيقة، لكن الذي يهمنا في مدونة بحثنا الذات عند الشاعر». وذكرت أن «عتبة الشعر العربي القديم تلونت ولم تصبغ بلون واحد، فقد جاء الإسلام وغير المجتمع وعاداته، وجعل أيديولوجيته تدس نفسها في الشعر فغابت الأنا والذات، وانتقلت نحن من القبلية إلى الإسلامية، فغلب على الشعر في بداية الإسلام أنه مؤدلج، لا فنية فيه عالية واحتفى بالتقريرية سوى الشعراء المخضرمين بقي شعرهم». ما فعله المجاز بالثقافة العربية حملت مباحث فصول الكتاب عناوين لافتة، منها «المضامين الذاتية. الذات والآخر، الذات المقنعة، والمعذبة»، تبرز عناوين «المدينة والمرأة» في المضامين الاجتماعية، بينما هناك مباحث أخرى في «الأيديولوجيا، المرجعية الدينية، المرجعيات الأسطورية، المرجعيات التاريخية والأدبية. موج اليوسف أوضحت في مقدمة الكتاب دافعها خلف البحث، لافتة إلى أن الإقبال على توظيف (النقد الثقافي) مشروع لدراسة شاعر ما، منهج ما يزال بذرة في الدراسات الأكاديمية العراقية، يكاد يكون مغامرة لا تخلو من المنعطفات، والمطبات التي تعصف بوجه الباحثة/ الباحث وترميه في حقل ممتلئ بالألغام. ذاكرة أن «الصعوبة الأكثر ليست بالمنهج، ولا بأنساقه المشاكسة، بل تكمن في الأكاديمية أيضًا التي ما زالت تركض وراء الصور البلاغية في الشعر، وألوانها، ولا تنظر إليها من الداخل، وما تخفيه في عناصرها (التشبيه، والاستعارة، والكناية) من عيوب نسقية، وما فعله المجاز بالثقافة العربية، والتي أعطت قدسية كبيرة للشاعر الكبير»، لتصل إلى أن مشروعها البحثي هاجس لازمها عند قراءتها للشعر العربي، وأضافت «هذا الهاجس صار يجرني إلى تساؤلات منها: لم ندرس الشعر من الخارج، ونحتفي بجمال صوره؟ هل في داخل كل صورة جميلة يوجد هناك قبيح؟ لماذا نرصد الإيجابي في الشعر ونغفل عن السلبي؟ بل لماذا نغفل عن القيم الإنسانية في الشعر؟ ولم يرو عطش أسئلتي سوى (النقد الثقافي)». فضل الغذامي لم تتردد موج اليوسف في «إرجاع الفضل لأهله»، فتشير ممتنة إلى دور الدكتور عبدالله الغذامي وتأثيره في بحثها، لا سيما بعد أن قرأت كتابه (النقد الثقافي دراسة في الأنساق الثقافية)، وتتابع «ما أحدثه الكتاب من ثورة على أفكاري في القراءة الأولى؛ أنه وضع الشعراء الذين شغفت بشعرهم (المتنبي، عمرو بن كلثوم ومعلقته، أدونيس) في مجهر نقدي، وأبصر إلى كل مخفي في شعرهم»، وأكملت: «بعد القراءة الثانية للكتاب اندفعت سهام فضولي إلى أن أتخذ هذه النظرية الثقافية، منهجًا لدراستي، لكن الذي استوقفني هو شاعري (عينة الدراسة) الثوري كيف سيكون حاملًا للأنساق الثقافية؟». المعوقات الجدلية (هل أنت موحدة لله؟). يستوقفك - في الكتاب- هذا التساؤل الصادم، الذي قد يلفت النظر ، ويثير التساؤلات حول واقع «البحث العلمي في العالم العربي، حين تعيد الكاتبة بناء وتركيب المشهد ذاته الذي يتكرر في أكثر من قطر عربي ، وبالسيناريو ذاته تقريبا ، مع اختلاف بسيط في تفاصيل ، أولها أسماء الشخصيات ، التي تعيد إنتاج المأساة منذ عقود، ربما أقربها صلة ما وقع لطه حسين بالجامعة المصرية في عشرينينيات القرن الماضي، واستمر متصلا حتى طال موج يوسف التي تسرد موج موضحة: إن أشد ما يمر على الباحثة/ الباحث ليس البحث، بل دكتاتورية الرأي الذي لا يمت للدراسة بصلة. عرضت الباحثة مشكلة البحث في بداياتها قائلة: «واجهت صعوبة وتحديات رحلة البحث، في كلية ذات توجهات إسلامية بحتة، غير منفتحة على العلم، وغير متقبلة للآخر، توجه يرفض تناول هكذا دراسات، فما كان إلا اللجوء إلى الحيلة وهي التلاعب في صياغة العنوان فقد كان (الذات والمجتمع في شعر أمل دنقل دراسة تحليلية) هو جواز المرور للعبور إلى محطة الكتابة، التي كانت مليئة المعوقات، لا البحثية، وإنما الجدلية». وختمت الباحثة عرض معاناتها بقولها: «إن المغامرة في الكتابة تقدم لصاحبها هدايا من الخسائر، لكن بالمقابل تحجز له مقعدًا مع الذين آمنوا ألا يتبعوا سبل الآخرين، بل يتبعوا ثورة أنفسهم، وما يؤمنون به من أفكار».