بداية، وطالما جعلنا العنوان عن الهرطقة، فلعل بعض القراء يتساءل: ما هي الهرطقة وكيف غزت ثقافتنا؟. هناك كم كبير من المعلومات واكتفي بعد البحث هنا وهناك بموجز لعله يلقي بعض الضوء. الهرطقة تعني باللغة العربية الزندقة، وهناك من يقول البدعة، وأميل إلى أن الهرطقة كمضمون ديني في الإسلام هي الزندقة، التي تعني الخروج عن المألوف في الدين الإسلامي وتعاليمه السامية. وهناك أسماء مشهورة اتهمت بالزندقة وأكثرهم شعراء، منهم بشار بن برد وأبو عيسي الوراق، وابن المقفع وصالح بن عبدالقدوس، وأكثرهم كانوا في العهد العباسي. فلنرَ ما هي الهرطقة ذاتها، وماذا تعني؟. الهرطقة كلمة أصلها يوناني «إيرسيس» بمعني يختار، ونشأت في أحضان دينية مسيحية، وكانت كل معارضة لتعاليم أو رأي الكنيسة تعد هرطقة، وكانت هناك عقوبات على المهرطقين، بلغت حد القتل. طبعا المهرطقون يرون أنهم مجددون وأنهم على حق، والتعريف الأشمل للهرطقة هو كل رأي يتعارض، أو ينحرف عن تعاليم أو نظريات سائدة. والهرطقة أوسع من الزندقة في تناول وتوسع دلالاتها، فهناك هرطقة دينية وهي الأساس، ولكن استخدمت لتعني كل رأي يتنافى مع السائد من الأعراف والتقاليد والحقائق، «طبعا الحقيقة حسب ما يراها كل جانب». والذي يعنينا في هذا المقال، هي الهرطقات السياسية التي تناقض الواقع، وتخترع أحداثاً وقيماً لا وجود لها.. نعم لقد تم وأد هرطقات المرجفين وهواة طق الحنك، فلا يصح إلا الصحيح، فالخطأ والضلالة ليسا فقط في الدين، بل ينطبقان على كل شيء في الحياة، انطلاقاً من الدين إلى الإرهاب إلى الأفكار المسمومة، التي يحاول البعض أن يغذي بها ضمائر الكيانات المجتمعية. والتطرف ليس فقط في اتجاه واحد، إنه يتشعب كالأمراض الخبيثة، أينما وجد عضواً في جسد المجتمع متاحا للغزو، فالتطرف في الدين الذي هو أعلى المكتسبات الإنسانية ممقوت، وهكذا الأشياء الأدنى، فمثلا لو نظرنا إلى المهرطقين سياسيا فيا كثرهم، وهم يتميزون بسعة الخيال والفكر العبثي الدنيء، فهم يحاولون تكييف المعطيات السياسة على مزاجهم، وبالتالي فلا مصداقية لهم، فالحقد الأعمى يجرهم إلى اختلاق نظريات، بل وتزييف الحقائق حسب أجندتهم. لقد حاول هؤلاء وعلى رأسهم بعض من خان الأمانة الوطنية، وهم قلة، بكل جهد تمرير عبثيتهم، التي عنوانها الرئيس النيل من الوطن وقادته، والإيحاء بأن السياسة التي تنتهج ليست مناسبة، وأننا رهينة لسياسات دول أخرى، طبعا ويضعون أمريكا في المقدمة، وأننا مجرد تابعين، وإذا قالت أمريكا أمرا قلنا لها سم وتم. طبعا مع مجريات الأحداث، حتى من عمي بصره وبصيرته، ولو كان أغبى أهل الأرض لعرف وأدرك أن ما هذه إلا هرطقات تغذيها الكراهية والحقد، فقد أثبتت التفاعلات السياسية، وخاصة في السنوات الأخيرة وإن كانت لا تحتاج إلى شواهد، وأكدت نهج المملكة بقيادتها الحكيمة. نعم نراعي المصالح، ولكن هناك خط أحمر لا يقبل المساومة وهو كرامة الوطن وسيادته المستقلة، فرغم كل الضغوط لم تعبأ المملكة بها وظلت ثابتة، وما زيارات ماكرون وبوريس جونسون وإردوغان وغيرهم من رؤساء الدول، وما الأنباء عن زيارة محتملة للرئيس الصيني، إلا دلائل لا تُدحض على قوة السياسة السعودية ورشادها. أما الإعلان في ليلة 14 يونيو 2022 عن زيارة بايدن للمملكة، فأعتقد أن أفضل عنوان لها هو ليلة وأد المهرطقين «السياسيين»، الذين في كل واد يهيمون. قد أصابتهم بمقتل وضربة أخلت توازنهم ولم يعودوا يستوعبون كيف يتعاملون معها. ومن المؤكد أنهم سيختلقون أسباباً لمداراة خيبتهم، ومن ذلك الكلام المكرر أن أمريكا ستفرض أجندتها علينا، لكن الجواب ألا يمكن إذا كانت أمريكا ستفرض رأياً ونحن لها مسلمون، أن تمليه علينا ورئيسها الأفخم هناك، أو تمليه على من يمثلنا في واشنطن أو في البيت الأبيض؟. إننا في عالم ينطبق عليه قول الحطيئة: إذا خافك القوم اللئام وجدتهم سراعاً إلى ما تشتهي وتريد فلا تخشهم وأخشن عليهم فإنهم إذا أمنوا منك الصيال أسود. وقَدْرُ المملكة أهم وأكبر وأعظم من هذا المثل وغيره، وإن كان يوضح الفكرة. نعم السياسة مصالح متبادلة، فعندما يأتي عدة رؤساء كبار، وفي مقدمتهم رئيس أضخم بلد في العالم، فهذا يؤكد وبكل فخر أن المملكة قطب عظيم، تدور حوله مصالح العالم، والسبب ليس النفط فقط، فروسيا مع عظمتها وشموخها لديها النفط أيضاً، كما أن هناك دول معروفة لديها النفط ومكونات اقتصادية مهمة، ولكن السبب العام هو ثقل المملكة العربية السعودية بإرثها الإسلامي والعروبي العظيمين، وثقلها الاقتصادي المتنوع، ومبادراتها الإبداعية المختلفة والنهج السياسي العريق لقادتها، من عهد الملك عبدالعزيز إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده المبدع محمد بن سلمان. إن هذا الوطن بقادته وشعبه يرحبون بكل تواضع واحترام، بكل من «ينصاهم» وهذه هي شيم الكرام الكبار، أما قراراتنا فتخضع فقط لإرادتنا ومراعاة مصالحنا. إن تلك الأسس لا تحتاج إلى شهادات، ولا تقويمات، لكن لمن عميت بصيرتهم نقول هل آن لكم أن تخجلوا، وأما آن لكم أن تعودوا لرشدكم. غالبا لن يعودوا، فمن شب على شيء شاب عليه، ومن نشأ على الخبث لا يعيش إلا في مراتعه، وعلى كل حال ابقوا كما أنتم فالقافلة تسير والكلاب تنبح.