تعد الدعابة أحد أهم الأدوات الاجتماعية التي تستخدمها البشرية للتواصل، فهي تلعب دورًا مهمًا في عدد من المواضع، فحس الفكاهة يستخدم للتمهيد لموضوع فيه شيء من التعقيد، وهي وسيلة للحديث في الموضوعات الحساسة اجتماعيًا أو ثقافيًا، بل إن الدعابة وكما تذكر البروفيسورة بقسم دراسات التواصل ميليسا وانزير (Melissa Wanzer) أن حس الدعابة يعد وسيلة لبناء الثقة بين الناس. على الرغم من أن حس الدعابة يختلف من شخص إلى آخر، إلا أن هناك قصصًا أو مواقف تحكى، يشترك كثيرون في الاستمتاع بها، واشترك كثير من الأشخاص في استشعار الدعابة، يحدث لأن العقل البشري لديه القدرة الفائقة في تحليل المفردات والجمل، التي تحمل معنى مضمرًا، وبتفسير تلك الجمل يمكن فهم الجانب الظريف من القصة. تحليل الكمبيوتر للجمل التي تحتوي على شيء من الفكاهة، يعد عملية في غاية التعقيد، فهي تتطلب فهم مركب للغويات المستخدمة، ومعرفة بالمعاني الخفية في الحديث، وكثير من مهارات الابتكار والاستنتاج، ويمكن ملاحظة أن التعرف الآلي على الفكاهة في مقطوعة نصية ما، هو مسار أكاديمي للأبحاث العلمية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو هل من العلماء والباحثين من درس ظاهرة الفكاهة في النتاج الأكاديمي؟ وبصيغة أخرى، أليس العلماء والباحثون بشر لهم أحاسيس كالتي يشعر بها العموم، وبالتالي فإنه من المتوقع أن تنعكس هذه الأحاسيس على إنتاجهم العلمي، بحيث تحتوي أبحاثهم على شيء من الطرفة والفكاهة، بين الفينة والأخرى. طرح عدد من الباحثين بأحد الجامعات الأوروبية، إمكانية اكتشاف حس الفكاهة في الأبحاث العلمية، بشكل آلي، حيث قاموا بدراسة إمكانية بناء خوارزمية ذكاء اصطناعي، يمكنها قراءة آلاف، بل ملايين الأبحاث العلمية، وإيجاد ما يحتوي على التسلية والطرفة منها. ولتعمل خوارزمية اكتشاف الفكاهة في الأبحاث العلمية، فإنها يلزمها أولا التعرف على ما هي الفكاهة، التي من المحتمل أن توجد في تلك النصوص، ولذا فقد تم أولاً بناء قاعدة بيانات، تحتوي على أكثر من نصف مليون ورقة علمية منشورة، قاعدة البيانات هذه تشتمل على أبحاث قد يوصف بعضها بالمضحك، والبعض بالمسلي، وقد استخدمت هذه الأمثلة على الأبحاث العلمية الظريفة، لتدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وذلك لكي يتكون لدى الخوارزمية تصور عما تبحث عنه في ملايين الأبحاث الأخرى المنشورة، بحثًا عن الطريف منها والظريف. وقد جدت الخوارزمية بالفعل أبحاثا علمية قد يستغرب البعض من نشرها أساسًا، وهي أبحاث تعد مضحكة للوهلة الأولى، إلا أنها مثيرة للاهتمام فعلاً، وهذه الأبحاث وإن كانت غريبة في ظاهرها، إلا أنها اتبعت الأساليب العلمية المعتبرة، وهذا ما شق لها الطريق للوصول للمجلات العلمية العالمية.