يقول الله تعالى (ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما) إنه اليوم العالمي لهذا الأب، بالأمس كان أبي واليوم أنا وغدًا ابني، إنها الحياة تكتب لحظاتها في سنين العمر، إن الحديث عن الأب أمر عظيم ومقام كريم، هو من خلقه الله بيده متمثلا في أبو البشرية سيدنا آدم، هو من سجدت له الملائكة تعظيما له، وطاعة لخالقه إنه الكيان المليء بتفاصيل كل شيء في حياة البشرية. إنه وقار السكون في ضوضاء الصخب، وصفه الله في القرآن بأنه الحكمة والنصيحة (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ووصفه الله في كتابه في قصة سيدنا يعقوب بأنه الحنان والعطف والحب والجمال والخوف والصبر (وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَ0بْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ 0لْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) وأنه الناصح الحكيم: (قَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) ووصفه الله تعالى في كتابه بأنه المشفق والمرشد ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾. إن الأب رمز الشموخ والأصالة والقوة والصلابة في هذه الحياة، عندما تشاهد تجاعيد السنين في ملامح وجهه تدرك أن هناك تفاصيل رسمتها هجير الأيام بفن التعب، عندما يكون الاستقرار داخل الأسرة فاعلم أنه الأب مسند كل ركن ليسكنه الاطمئنان والهدوء، إنه الكيان الشامخ في زوايا حياتنا أطفالا وصغارا وكبارا. الأب رحلة شامخة في البناء للأسرة، فهناك لحظات يلملم فيها الألم بقايا من ذكرياته على محياه، عند تتحقق أمنيات أبنائه، عندما يقطف الابن أو الابنة النجاح لا بد ألا تنسى من رباك وأعطاك، ومن سهر عليك وأرشدك في تفوقك وعلو اسمك، إنها اللحظات الوحيدة التي يكون فيها الانتصار مهزوما عندما لا يكون للأب وقفة فيه، تنظر في الجموع ودموع الأسى خليطة بالفرح أين أبي؟ أين الذي يجب أن يراني يجب أن يقول هذا البناء بنائي، فقد الأب في هذه اللحظات تجعل التميز طفلا أسيرا يروي عطش الفقد من دموع ونحيب ليس للذة هنا سوى الاستسلام، إنه الأب يا هذا الغارق في العقوق، إنه الأب الذي يطوي التعب في ابتسامته الجميلة، إنه الأب الذي ترعاك عيناه ترقبا ويرعاك دفئه الحاضر اطمئنانا ويرعاك اسمه فخرا ويرعاك حرصه صمودا وعزا إنه الأب وكفى بهذا الكلمة. لقد تأثرت كثيرا عندما شاهدت شابا يافعا في العمر كافح في الحياة حتى تخرج من دورته العسكرية وحمل أوراقه وشهادته لم يسعه الكون ولم يجد لذة لهذا الاحتفال سوى أمام قبر أبيه، يريده أن يشاركه الفرح لم يجد الجواب سوى في نحيب خافت لم يهنأ بكل الكلمات في الثناء عليه ورقيا وشفهيا ممن باركوا له سوى أن يضعها فوق قبر أبيه. هناك كلمات ليس لها معنى إلا من الأب إنها صدى يدوي في قيعان الفراق، فحين لا تجده بين الجموع فما أقرب الألم من المتعة والغصة من الفرحة، سنبقى أطفالا في عينه وتبقى قلوبنا فارغة لا يملأها سواه. أيها الغارق في لهو الحياة إن أباك ثروة لا تبخل في أن تبر به ولا تبخل أن تضع حياتك في خدمته إن الآباء. عندما يفقدون نرجع في الدينا أطفالا ينوح اليتيم في نفوسنا مهما كانت أعمارنا، وفي حناجرنا غصة وتعب لا شيء يملأ الدنيا فرحا سوى كلماته بالثناء، يزداد النجاح جمالاً عندما يبتسمون ويزداد الفخر وإعجابا عندما يباركون وتزداد قوة عندما يحفزون. اللهم احفظ وبارك من ملأ منهم بيوتنا بالسعادة ومازال، وامنن بالجنة والغفران من توفيته منهم. ثلاث وردات ابتعتها وردة لأبي ووردة لي ووردة لابني، إنها وردات نشم روائحها سيرة عطرة في ذكرى الأيام.