أعْتَدْتُّ الكتابة عن بعض الوجهاء والأعيان والرموز الوطنية لاسيما ممن قد انضم منهم إلى ركب الراحلين، ولعل ذلك من باب (اذكروا محاسن موتاكم). في شتاء هذا العام أنخْتُ رحالي في عروس البحر (جدّة) ضيفًا زادَهُ رونق جمالها وعليل أجوائها الدافئة.. حظيت بحضور العديد من الفعاليات الرائدة.. وشَرُفتُ بتلبية دعوة كريمة لحضور أمسيةً ثرية لوزير الشؤون الاجتماعية سابقًا الدكتور والأديب اللّامع/ علي بن إبراهيم النملة على هامش لقائه بعدد من الكتاب والمثقفين. عرّجْت على وسط مدينة جدة التاريخية، مكان يبوح بماض تليد وحاضر مجيد، لفتني لوحة عليها عبارة (حارة المظلوم) تمنيت إعادة النظر في هذه التسمية.. هذا الحي الجميل كغيره من أحياء جدة سكنَهُ قامات من رجالات جدة الأوفياء، رُوِيَ لي أن أهالي هذا الحي كغيره، كانوا كالأسرة الواحدة يعيشون إيقاعا جميلا من الحياة المفعمة بالمحبة والوطنية والتكافل وتقارب القلوب، والبيوت التي من شرفات بعضها كانوا يتهادون السلام والطعام. وبما إن لكل سيمفونية رائعة مايسترو رائع، فقد كان لهذا الإيقاع الجميل رجالاته الرائعين من أرباب البيوت والعُمَد في الماضي والحاضر ،أذكر منهم عمدة هذه الحارة الراحل (الشيخ والعمدة إبراهيم زامكه السّبحي) المشار له في كتاب الدكتور أمين ساعاتي ضمن(أهم مائة شخصية في جدة). ذاك الرجل النحرير كان شيخًا ودودا وعمدة برتبة إنسان، وأيقونة من الوطنية والمآثر الاجتماعية النبيلة.. كان ضمن قامات النخبة التي خرجت لاستقبال مؤسس وحدتنا الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه عندما وصل جدة قادمًا من مكةالمكرمة عام 1344ه.. كان للعمدة إبراهيم زامكه مركاز ابمثابة مدرسة في الولاء والانتماء والوفاء ومكارم الأخلاق، كان يشاطر الجميع أفراحهم وأتراحهم، ألِفَ الجميع فألِفَهُ الجميع، ونال ثقتهم ومحبتهم، وظّف ذلك الوقار في خدمة المجتمع، من ذلك بذل جاهه في الشفاعة الحسنة وإصلاح ذات البين محتسبًا.. كان من كبار تجار السُّبح خاصةً سُبح اليُسر المعروفة بالمرجان الأسود، وربما اقترن لقبه بذلك رحمه الله.. رزق بولدين هما صالح وعباس من زوجته السيدة صفية متبولي وعدد من الأحفاد، جميعهم يخدمون الوطن في العديد من المجالات، لعلي أذكر منهم حفيدته الأستاذة المرموقة (ريهام زامكه) الكاتبة المبدعة التي كانت إضافة مضيئة من الشهرة والنجومية والفخر لبيت أسرتها الحجازية الكريمة.