يرتاد أغلب الناس - إلا ما رحم الله - مجالس الغيبة؛ لأنّ ابن آدم يشعر حينها أنه خير من ذلك الذي يغتابونه، فيأنس ويعتز بنفسه، ولكونها محرمة في دين الله، ولأنّ الإنسان من طبعه يريد الهروب من ضغوطات الحياة إلى مثل تلك المجالس فقد وجدت بديلاً لها، وهو أن تستمع وتصغي إلى شخص يعتبر نفسه أحد محاور الكون، فقط استمع، ستشعر بالاستفزاز في الثواني الأولى، ثم ما تلبث أن تندمج معه وتستمتع بأحاديثه، كما كنا نستمتع بمشاهدة مهارات الكابتن ماجد ومغامرات ماوكلي، وغيرها من أفلام الكرتون مع يقيننا أنها مجرد وهم! ويحلو الجو عندما يوجد في المجلس محورا كون أو ثلاثة، عندها ستشاهد صراع العمالقة كبطلي فيلم تقابلا وجهاً لوجه، وكأنك في مدرج ديربي منتظر، أو كلاسيكو حاسم، أو مصارعة حرة أو ملاكمين من الوزن الثقيل. فإن قيل: ما أهمية أن تعد نفسك محوراً للكون؟ فالجواب أنّ ثقتك بنفسك سترتفع ولن تشعر بأنك عالة على المجتمع أو لا قيمة لك في الدنيا، وستنجو من أية أعراض للاكتئاب! كما لا يخفى عليكم ما للمظاهر في هذا الزمان من مكتسبات، وما يمكن للعبارات المنمقة أن تفعله. لذا أظهر نفسك أيها المحور الكوني العظيم، عبّر، فضفض، استعرض إمكانياتك وقدراتك ومظلوميتك، لا تخف ولا تخجل، ولا يهمك كلام البشر، إنهم يغارون منك ولا يستطيعون أن يصلوا «لمواصيلك»، ويوماً ما سيدورون حولك ويبحثون عن رضاك. قيل لحكيم: كيف تعرف محور الكون؟ قال: من ثاني جلسةٍ أو لقاء معه، فإنك لمّا تراه في المرة الأولى ستنبهر به ثم لا تمكث إلا قليلاً قبل أن تعرفه بسيماه. قيل: وما سيماه؟ قال: يعتقد أنّه حديث اليوم وأنّ الناس تحلم به في نومها ولا تستطيع الاستغناء عنه. إنّ محور الكون يا بني آخذٌ في نفسه مقالب، يعتقد أنه إذا «زعل» عادوا إلى بيوتهم يفكرون في زعله ولن يهنأ لهم نوم ولا طعام، وأنه إذا تكلم حلل السامعون كلماته وما بين سطورها وخلف كواليسها واستنبطوا منها الدرر والفوائد والعجائب. أقول: ارموا كلام الحكماء خلف ظهوركم، فهم أنفسهم يعتقدون أنهم محاور كونية، وأنّ حكمهم البالية تستطيع تغيير مجرى حياتك! كن محور الكون - ولا عليك من أحد - لكن تأكد أنّ هذا المحور الكوني الذي تحمله وتتقمصه سيؤخذ منك يوماً ما - حين تدور الأيام -، والله العالم عندئذٍ أين سيتم وضعه!