كان كتاب «هزتني آية» للكاتب أسامة العمري، الصادر عن مؤسسة «غراب» للنشر والتوزيع، هو آخر ما قرأت. وللحق شعرت بأن العنوان يناسب جدا الحالة التي يمر بها القارئ، حيث شعرت بكياني الثابت الهادئ يتزلزل بسبب اختيار آيات تحرك الحجر، وليس البشر فقط. كان هذا الكتاب نتاج تأملات عميقة لبعض آيات القرآن الكريم، مما جعل الكاتب يفسرها بشكل جديد، وطريقة شائقة وأكثر وضوحا، حتى يسهل على القارئ فهمها بسهولة، واشتمل على عدة موضوعات دينية متنوعة فى ثوب جديد. يضم الكتاب ثلاثة عشر موضوعا متنوعا، ويقع في 184 صفحة من القطع المتوسطة، وجذب نظرنا لموضوع اليقين ومفهومه، وتحدث فيه الكاتب عن مواجهة التجارب الفاشلة وتجاوزها، ووضح بعض نعم الله وواجبنا نحوها. ونجده متحدثا عن معنى التقوى، التى هى سبب الفلاح في الدنيا والآخرة، قائلا: «فماذا يحدث عندما نجعل الله نصب أعيننا؟ يمنحنا ذلك الحفظ والمعية التى تتأتى فى ألطاف الله حولنا». كما أشار الكاتب إلى موضوع أنانية النفس، ذاكرا: «..والأنانية فى أن يجعل الإنسان من ذاته مركزا لعالمه دون الاهتمام بالآخرين». كما عرض فكرة العبودية بجميع أشكالها، موضحا ذلك فى قوله: «..والخيار سيظل مفتوحا للإنسان إلى أن يقضى أجله ما بين أن يفك ربقة عبوديته للمادة والعادة، ليحظى بشرف العبودية لرب الخلائق، أو أن يخلد لعبودية أصنام صنعتها التربية والعادة والمجتمع». كما تحدث عن خلق الإنسان، والفرق بين إرادة الله وإرادة الإنسان، ووضح مفهوم التكليف للإنسان، وأهمية النية في العمل: «فالنية مطلوبة نعم، لكنها لا تكفى وحدها، وكذلك الإرادة ركن أساسى لا غنى عنه، لكن دون عمل لا تسمن ولا تغنى». كما طرح قضية الدعاء فى قوله: «الدعاء بمفرده دون سعى وعمل لا يفتح لك باب التغيير». وركز الكاتب أيضا على فكرة الأمل وأهميته، ووجهنا إلى مفهوم الخلود فى قوله: «فمن أحسن واتقى فى الدنيا كان خلودا في الجنة، ومن أساء فكان خلودا فى جهنم وبئس القرار». وأمعن المؤلف فى فكرة أن الموت عدالة: «فكان الموت منتهى العدالة والمساواة لمن حرموا أنفسهم متع الدنيا». والكاتب يميل في هذا الكتاب إلى التأمل والتحليل، فيطرح عددا من القضايا الحياتية المهمة، مستندا على آيات قرآنية تفسر المشكلة وتعطي الحل. وقد أبدع الكاتب في عرض تلك القضايا بأسلوب سلسل ولغة بسيطة، قريبة من القارئ، شائقة. ومن القضايا التي ناقشها الكاتب قضية الابتلاء، ومفهوم الفلاح في الدنيا والآخرة. كما تعرض لمفهوم اليقين، قائلا: «اليقين بأن الركون إلى الله منجاة». وتحدث عن أن الارتكان لله غاية، قائلا: «فإذا جد الجد، لا إله تستغيثه فينجيك إلا الله، ولا ملجأ ولا مفزع إلا الله». كما عرض مفهومه عن سر الحياة، وماهية خلق الإنسان وغايته. وتطرق أيضا إلى مفهوم السعي في النظرة الدنيوية والأخروية، قائلا: «السعى هو محور الحياة، وهو أساس العمل ومنطلق الحساب، وشروطه ثلاثة، وهى النية والتحضر والعمل. أما إدراك الغاية، فهو من عند الله». ومن الموضوعات الشائكة التي تطرق إليها مفهوم الإعجاز بين التأويل والإقرار وبين ما يمارسه البعض من ليّ ذراع العلم بربط الأحداث والاكتشافات بآيات قرآنية، فيشير إلى أن الثابت لا يُنسب فيه تفسيره إلى متغير، والقرآن هو الحقيقة الثابتة على مر العصور، بينما الاكتشافات متغيرة ومذبذبة، فما يراه العالم اليوم اكتشافا قد يثبت العلم خطئه، فالقرآن هو من يستند إليه، لا الاكتشافات. كما لفت نظرنا إلى أن الابتلاء تربية وتهذيب للنفس، وهو باب للخير، وتحدث عن التوبة وشروطها وعن الأثر وتأثيره. وقد تخللت الموضوعات بعض القصص الواقعية التى سردها أصحابها، لتزيد الموضوعات وضوحا. كما تناول الكاتب مفهوم الصراع بين البشر، وكيف يحتكم المتخالفين إلى الله في الدنيا والآخرة، وما هو معيار العدل الإلهي في ذلك، إلى جانب موضوعات أخرى كعبادة الأصنام الجديدة التي تتحكم فى حياة البشر، ومراحل خلق الإنسان، وإرادة الله، ومفهوم الأثر الذى يستمر بعد موت الإنسان، ويجنى ثوابه وهو فى الدار الآخرة. واعتمد الكاتب في عرضه لتلك القضايا على الاستشهاد بالقصص الواقعية، سواء التي عاصرها بنفسه أو كان أحد الشهود عليها. واختتم الكاتب بطلب من القراء أن يشاركوه قصصهم الحياتية التي حدثت فعلا على أرض الواقع، والتي يجدون فيها أثر الله في حياتهم، ورحمته بهم.