رسالة مقتضبة وصلتني من أحدهم على الواتس، حملت العنوان أعلاه، قرأتها فارتعدت فرائصي؛ لأن «الضرورة» ارتبطت في العقل الباطن عند البعض بمصيبة أو أمر سيئ، ثم استجمعت قواي كما يجمع أحدنا فلوسه من جيوبه عندما يكون «طفران». وتذكرت موقفا حصل ليّ قبل سنوات، عندما اتصل عليّ المدير، وكان جوالي على «الصامت»، كما يصمت أحدنا حين لا يبقى للكلام معنى أو عندما يكون في حضرة الجمال، فلما انتبهت للجوال وجدت 20 مكالمة لم يرد عليها، فانتباني فزع، وأيقنت أن مشكلة وقعت، وأن ساعاتي الأخيرة في الشركة قد اقتربت، وفي الاتصال الواحد والعشرين رددت بصوت مرتعش: الووو.. فبادرني بصوته الجهوري: أمين وينك؟. وقبل أن أجيب، قال: لا تطلعوا اليوم بعد الدوام، عازمكم على الغدا.. عندها تنفست الصعداء والنزلاء، وهممت أن أسجد لله شكرا، ثم أمسك بيد (التي بوي)، وأرقص معه رقصة الفرح. صدق أولئك الذين قالوا إن الملافظ سعد، ولست أدري لماذا يجيد الناس سياسة التخويف، وأسلوبهم في الكلمات التضخيم والتهويل، حتى نبرات صوتهم وكأنها توصل رسائل رعب وإشارات هلع. يخوفونك من كل شيء.. من المستقبل والمجهول والغموض والمرض والعين والطقس والناس والحيوانات والأطمعة والفلافل.. وإن كان في كثير منها مخاوف حقيقة، إلا أن المبالغة باتت مقيتة، وكأن الأصل هو الخوف. ألا ترون أن كلمتي «أخاف» و«المشكلة» صارتا متلازمتين عند معظمنا في حديثه وسواليفه؟. المشكلة أنني أخاف من استمرارية عمليات التخويف، فيحصل التزعزع والاضطراب، ويقل الإبداع، وتغلب على النفوس الكراهية وسوء الظن وعدم الثقة. أليست الشائعات - مثلا - وليدة الخوف؟!. قيل لحكيم: ألا تخاف؟ فقال: نعم حتى إنني أخاف أحيانا من خيالي وظلي، وأرتعب من قطة تقفز عليّ بعد أن أرمي الكيس في صندوق «القمامة». فقيل: فكيف نتغلب على مخاوفنا؟ قال: بالحب، فعكس الخوف هو الحب. قيل: فإن لم أستطع؟ قال: فحاول ألا تكره أحدا، وإن لم تحبه. قيل: فإن لم أستطع؟ قال: فلا تؤذِ أحدا، واحتفظ بكراهيتك لنفسك. قيل: فإن لم أستطع؟ فقال الحكيم: كفانا الله شرك. ثم إنني اتصلت بذلك الذي أراد أن «يكلمني ضروري»، وعندما سمعت قصته، التي لن أستطيع ذكرها هنا، ضحكت على نفسي أنني توترت وفكرت «أكتر من اللازم»، ويا حسرةً على فرائصي التي ارتعدت «على الفاضي». فإذا سمعتم أو قرأتم أن 95% من مخاوف الإنسان لا تتحقق، فصدقوا ذلك. استقبلوا عامكم بكل حب وامتنان، واتركوا عنكم أوهام الشيطان، وسلامة فرائصكم من كل شر.