«هكذا هي الحياة، فعندما تخبر أحدهم الحقيقة فإنه يكرهك، وكلما تحدثت عن الحب ازدادت كراهيته لك». توقفت كثيراً عند هذه الكلمات وأنا أقرأ رواية (قواعد العشق الأربعون... رواية عن جلال الدين الرومي) للروائية إليف شافاق. في هذه الرواية تنقلت بين صور رسمت بدقة وجمال ورشاقة في التصوير والتعبير والتنقل بين الأحداث التي تحاكي الواقع وتفيض بتشابه لأحداث تواجهنا في حياتنا قد تختلف في التفاصيل ولكن تنطبق في الفكرة وفي المضمون. فالحرب التي تدور داخل النفس قد تكون أشد ضراوة على الفرد من الحرب التي تدور بالسلاح، والعبرة التي تظهر لنا. إن من نتائج الحرب أن تخلق اللصوص، وأما السلام فهو الذي يقتلهم. وكما قيل فالحرب لا تستعر نيرانها في وسط أو في أجواف المدافع بل في قلوب الناس وأفكارهم. كما أن الجهل هو الذي يخلق الكراهية والعنصرية والطائفية بين بني البشر. والمحبة تخلق السلام والأمن والأمان والازدهار. إن القناعات التي تنطلق من الرغبة في الدفاع بالقوة والعنف عما نعتقده أو نؤمن به لا يخلف غير الكراهية ويهيئ المناخ المناسب للصوص المستفيدين من هذه القناعات. فالسلام والقول الحسن وحسن التعامل هو ما يصنع ويخلق وينتج الحب... القوة القادرة على خلق الحياة بسهولة ومرونة وصخب وهدير مثل الماء الذي يشق طريقه في الأرض ليبعث الحياة والازدهار. وفي الرواية توقفت عند قول له دلالة عميقة «إن السعي وراء الحب يغيرنا. فما من أحد يسعى وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته. فما أن تبدأ رحلة البحث عن الحب، حتى تبدأ تتغيّر من الداخل ومن الخارج». نعم الحب بمفهومه الواسع يغير الشخص ويضفي على الإنسان بهاءً وجمالاً معنوياً ومادياً، ويخرجه من شط الكراهية إلى محيط السلام والأمان. هنا يظهر جلياً لماذا يحارب البعض الحب؟ ففي عالم الحب تخبو وتنزوي وتنطفي ظلام الكراهية والحروب والخلافات ويغل ويقبض على اللصوص والمستفيدين والمتسلطين على البشر باسم الدفاع عن القناعات والعنصريات والقبليات والمذهبيات. لهذا يخافون ويكرهون الحقيقة التي تعري هذه القناعات الخاطئة والكاذبة والمدلسة. يكرهون الحقيقة لأنهم لا يستطيعون قبول الحوار ولا التنوع والاختلاف، لأن قلوبهم تستعر بنار الكراهية التي يسعرها ويشعلها الجهل المصدر الرئيسي الذي يعطي العنصرية والمذهبية والكراهية الحياة والاستمرارية. ما نراه في الظاهر هو جزء صغير مما يخفيه الباطن، ولن يكون الباطن نقياً إلا بالحب، فالكراهية والخوف والشعور بالذنب هي التي تحرم المعرفة وتكون سداً منيعاً للتواصل مع الآخر. صحيح إن ما لا تستطيع أن تحبه لا تستطيع أن تعرفه. فهناك علاقة قوية ومتينة بين ما نعرفه والحب. فالشغف والحب بالمحبوب أو فريق الكرة تجعل المحب يعرف كل شيء عما يحبه، لهذا فإن الحب هو طريق المعرفة والكراهية هي طريق الجهل. * مستشار قانوني @osamayamani [email protected]