فقدت مساجد قرى ظهران الجنوب عادة اجتماعية طالما تميزت بها خلال شهر رمضان الكريم، وهي حلقات الإفطار الجماعي لأهالي تلك القرى، لاسيما كبار السن الذين كانوا يتوافدون صوب تلك المساجد الصغيرة قبل موعد أذان المغرب بنحو الساعة لتلاوة القرآن الكريم والدعاء والاستغفار حتى موعد الإفطار. ومن خلال هذه الحلقات، يشكل الجميع فور سماعهم صوت المؤذن حلقة حول سفرة الإفطار في مشهد جميل يعكس روح التكافل والترابط والتراحم بينهم. "الوطن" وخلال جولتها في عدد من مساجد قرى شرق ظهران الجنوب، سجلت اختفاءً شبه تام في معظم المساجد لعادة كانت إلى وقت قريب مضرب مثل في أواصر الترابط الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد، الذين اعتادوا على التوجه للمساجد قبل موعد الإفطار، كل يحمل معه ما تجود به نفسه من أطعمة رمضانية، لتشكيل مائدة متكاملة يلتف حول سفرتها الجميع من الأهالي، ومن ضيوف الرحمن من الضعفاء والمساكين. سعيد بن حسين الوادعي "75عاما"، من أهالي قرية حيدان شرق ظهران الجنوب، أبدى حزنه لترك أهالي قريته عادة الإفطار الجماعي في مسجد القرية، تلك العادة الحميدة التي كانت تجمعه مع أقرانه من أهالي القرية في أجواء روحانية، يتدارسون فيها أمور دينهم على يد إمام المسجد وفي قراءة القرآن الكريم، وعزى الوادعي اختفاء حلقات الإفطار في مساجد قراهم إلى ظهور مخيمات الإفطار قرب الجوامع والمساجد الكبيرة، مما جعل الفقراء يتوجهون لها تاركين مساجد القرى الصغيرة، التي فقدت هي الأخرى جيلا من كبار السن أقعدتهم الأمراض، أو انتقلوا إلى رحمة الله، فيما يفضل الشباب تناول الإفطار في المنازل أمام شاشات التلفزيون. وعن أهم الأكلات التي كانت تشتهر بها حلقات الإفطار في مساجد القرى، قال الوادعي: إن التمر والماء يأتيان في المرتبة الأولى، فيما تأتي أكلة الفتوت "خليط من مرق لحم الضأن أو الماعز مع خبز القمح البلدي" في المرتبة الثانية، وفيما يتعلق بأكلات الشربة والسنبوسة والحلويات بأنواعها، أكد أنه وأقرانه لايفضلونها لأنها تثقلهم وتصيبهم بالكسل على حد قوله. بدوره، أرجع الشيخ عبدالله القحطاني"إمام مسجد" تراجع وتلاشي ظاهرة الإفطار في مساجد قراهم إلى الوجبات المتكاملة التي تجهزها المطاعم والبوفيهات لمخيمات الإفطار، التي أصبحت منتشرة في كل مكان، مما جعل أهالي تلك القرى يفضلون الإفطار في منازلهم، حيث كانوا يحرصون سابقا على الذهاب بطعام الإفطار في المسجد، ليشاركهم فيه ضيوف الرحمن من الفقراء والمساكين وعابري السبيل، الذين فضلوا مخيمات الإفطار على حلقات الإفطار في مساجد القرى.