سبق وكتبت مقالًا منذ سنوات بعنوان «عادات وتقاليد بين ثباتٍ ووجوب تغيير» وذكرت فيه: أن العادات والتقاليد هي إحدى أسس القيم لأي مجتمع، وقد تختلف من منطقة لأخرى، ومن قبيلة أو عشيرة لأخرى، وهي أفعال تم استحسانها في موقفٍ معين وزمن معين، ثم استحسنها من بعدهم الأبناء والأحفاد حتى أصبحت عادة وتقليدًا، ومع مرور الوقت أصبح الحديث عن تركها أو استبدالها أمرٌ غير وارد وقد يصعب حتى الحديث عن محاولة التغيير. العادات والتقاليد هي مصدر فخر لنا كعرب وقبائل ومناطق، نستحسن فعلها وتطبيقها ونشرها والحرص عليها وتربية الأبناء للتمسك بها، وجل تلك العادات أو التقاليد ميزة نتميز بها وقد ينفرد البعض عن الآخر بعادة أو تقليد أفضل فتحسب له، وعند فعل مثلها يذكر صاحبها سواء قبيلة أو منطقة معينة كإقرار بخصوصيته لتلك العادة. ونحن العرب بعاداتنا وتقاليدنا أكثر المتقيدين المتبعين لها. وببزوغ فجر الإسلام، فقد حرص العرب على التمسك بالعادة والتقليد وترك الموروثات منها التي لا تتوافق مع تعاليم الدين القويم، وهذه إحدى خصائص العادات والتقاليد بأنها ليست كما يراها البعض بغير قابلة للتغيير أو الترك. والعادات والتقاليد فعلًا لها متغيرات بحسب الزمن والموقف والمكان، فهي ليست سهلة التغيير والتطوير ولكنها ليست مستحيلة، فالقيم الأصلية تبقى كالكرم والشجاعة والعطاء وحقوق الأقارب والجار، لكنها قد تختلف في الأسلوب والطريقة والقواعد. يصعب التغيير والتطوير للعادة والتقليد إلا في حالتين تجعلهما أكثر سرعة للتغير وهما: عدم موافقتها لشرع الله، والاتفاق الشمولي لما هو أفضل وأمكن. فالأولى: إذا كانت العادة لا تتوافق مع شرع الله، فنحن بحمد الله كعرب نكون مع الالتزام بتعاليم الدين وله الأولوية في جل أمورنا، وقد قلت «جل وليس كل» لأن البعض منها نؤمن بمخالفتها للدين ونعلم بوجوب تغييرها ونلوم الأنفس على عدم التغيير لكننا نتقيد بها مبررين ذلك أننا لا نستطيع السير في مخالفة الغير. والثانية: إذا اجتمع كبار القوم في المناطق أو القبائل ثم استحسنوا ما هو أفضل، فإنه في الغالب يتم التقيد بالاتفاق، ولكن «جل ذلك وليس كله»، فهناك من يبقى متقيدًا بالعادة السابقة دون تغيير ولو كان الجديد أفضل وأمكن. إلا أن سرعة التغيير في هذين الأمرين أعلاه. وهنا يتوجب علينا كأشخاص قبل المناطق والقبائل والعشائر، أن نعلم أن الدين له الأولوية في الالتزام بتعاليمه وقواعده، وأننا محاسبين على كل عادة أو تقليد مخالف للدين، وأنه يوجب علينا السعي ابتداء بالنفس وتعميمًا للأسرة والمجتمع بترك كل ما خالف ديننا القويم. وكذا يتوجب علينا أن نسعى لتربية أبنائنا على كل عادة وتقليد وافقت تعاليم ديننا، وأن تغيير العادة والتقليد لما هو أفضل ليس بالهوى والرغبات، إنما بالأفضل وما يكسبنا الأجر والمنفعة العامة للمسلمين. وقد أعدت كتابة المقال بعد تأكيد صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز حفظه الله على ضرورة تغيير وتعديل بعض العادات التي منها ما يتعارض مع الدين ومنها ما يشكّل عبئاً على الدولة والمجتمع ولا فائدة تُرجى من بقائها، ونحن معه في ذلك جميعاً إن شاء الله.