تنوعت الأساليب المستخدمة في ترويج الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت متقدمة لدرجة صار يصعب تمييزها. هذه الأساليب المتقدمة في ترويج الشائعات تعدت مسألة صعوبة اكتشافها إلى استعصاء إقناع بعض المتلقين بزيفها، وبحقيقة من يقف وراءها. ومثلما هنالك أساليب متقدمة لترويج الشائعات، فهناك أساليب بدائية جدا ومضحكة، وعلى الرغم من ذلك، فهناك من يصدقها. قد لا يلام بعض عامة الناس والبسطاء حين يصدقون بعض الشائعات، ولكن الإشكال حين يصدق من يحسب على النخبة المثقفة بعض ما يبث من شائعات، ثم يروجونها ويتحدثون عنها في مجالسهم، وعبر منابرهم الإعلامية المختلفة وكأنها حقيقة. ومن خلال متابعتي ما ينشر من شائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر ليّ أن هناك أغراضا بعضها خفية جدا، وبعضها الآخر واضح ويمكن تمييزه. تتراوح هذه الأغراض بين العبثية والتسلية، لتصل إلى إلحاق الضرر بأشخاص، وتحقيق مكاسب سياسية. وبالطبع، فتأثير الشائعة لا يقف عند حد، فهي وسيلة فتاكة ومؤثرة في زعزعة الفكر وبث الإحباط وتغيير المواقف. كما أنها قد تستخدم في تغيير الصور السلبية، وإحلال صور إيجابية بديلة. ومن خلال البحث والمتابعة، يتضح أن هناك عوامل كثيرة تدفع بعض الأشخاص أو الجهات لاختلاق الشائعات، ونشرها بين الناس، ومن أبرزها: اختلاق وبث الشائعة لبث السلبية في المجتمع: هذه تتم من خلال بث أخبار جيدة، تُسعد من يصدقها، ولكن حين يُكتشف أنها غير صحيحة أو حين تُنفى من الجهات المعنية تكون لها تأثيرات سلبية، حيث يصاب كثير من البسطاء ممن صدقوا تلك الشائعة وانتشوا بسببها بخيبة أمل، وقد يترتب عليها شعور هؤلاء الأشخاص بنوع من المظلومية، مما قد ينتج عنه التصرف أو التفكير بطرق سلبية تجاه الدولة أو المجتمع. ومن ذلك الشائعات المتكررة زيادة في الرواتب أو اعتزام الدولة صرف راتب شهر أو شهرين لجميع المواطنين، تزامنا مع مناسبة بعينها، أو إعفاء من قروض أو منح أراضٍ ومساكن وغيرها. ومنها أيضا إعادة نشر دعاية الأعداء بتفوقهم وتقدمهم مقارنة بتخلف وتقهقر الإنسان العربي أو المسلم، وتأتي في هذا السياق الإستراتيجية الإسرائيلية في حربها مع العرب، التي كانت ولا تزال تعتمد على بث اليأس وخلق السلبية في نفوس العرب، من خلال إظهار تفوق الجندي الإسرائيلي وتخلف الجندي العربي. تحليل خطابات السياسيين الإسرائيليين يوضح أنها كانت تعتمد على زرع اليأس في أنفس العرب، واستحالة قدرتهم على التصدي للجيش الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه بث إيحاءات سلبية، تنم عن رغبة عارمة لدى الجماهير العربية في عقد صلح دائم مع الكيان الإسرائيلي. كذلك كان المغول من أبرع من استخدم الشائعة في بث الرعب بأنفس الأعداء، وتحطيم الروح المعنوية لديهم، حيث كانوا يفعلون ذلك بطرق مختلفة، ومنها إرسال الجواسيس للتهويل من قوة الجيش المغولي، وأنهم إذا جاعوا يأكلون الأشجار، فإن لم يجدوها أكلوا لحوم البشر. بث الشائعات بهدف التأليب ضد جهة معينة: يهدف هذا النوع من الشائعات إلى تشويه صورة أشخاص أو كيانات، ونسب أقول أو أفعال إليهم، وهم منها براء. وهذا النوع من الشائعات كثيرا ما ينطلي على بعض المتلقين، وقد يدفعهم إلى تبني مواقف مناهضة للجهة المستهدفة بالشائعة. فعلى سبيل المثال، تنشر جهات إعلامية مدعومة من استخبارات دولية صورا للقتل والدمار الذي حصل في سورية، وفي مناطق نزاعات مختلفة، والترويج بأنها نتيجة الضربات الجوية التي ينفذها التحالف العربي في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من إمكان التمييز بين معالم البلدين وسحنات الأشخاص، فإن تلك الصور قد تؤثر في بعض الأشخاص، وتدفعهم لتبني مواقف مناهضة ضد التحالف العربي. والسبب في ذلك ربما يعود إلى جهل المتلقي باتجاهات وأهداف من يروجون تلك الشائعات، التي تستهدف بلدانا بعينها. ولهذا من المهم محاربة الشائعة من خلال التوعية بخطورتها، ومن خلال كشف مصادرها، وبيان حقيقة أهداف من يختلقها وينشرها. وكذلك من المهم التوضيح أن تلك الشائعة التي تستهدف أمن الوطن واقتصاده مثلا تقف خلفها جهات معادية، مدعومة من قِبل استخبارات أجنبية لها مصلحة في إلحاق الأذى بالوطن. هذا النوع من الشائعات لا يقتصر على التأليب على جهة بعينها، ولكنه قد يمتد إلى السعي إلى فبركة أخبار، قد تتسبب في نزاعات بين أطراف مختلفة، ومنها نشر بعض الجهات صورا لفرنسيين يتهجمون على أي عربي في باريس، حيث اتضح، في وقت لاحق، أن تلك الصور مفبركة، وتخص حدثا آخر قديما، ليست له علاقة بالعرب، ولكن ردود أفعال المتلقين وحنقهم على فرنسا تبين أن الشائعة قد آتت أكلها. وكذلك يمكن ملاحظة أنه كثيرا ما يروج لتصريحات مسؤولين غربيين ضد الإسلام والمسلمين، وهذه التصريحات ملفقة، ويقصد منها تأليب الشعوب الإسلامية ضد بلد بعينه أو عدة بلدان مع خلق نوع من السخط الشعبي ضد الحكومات الإسلامية، لعدم اتخاذها مواقف حازمة تجاه تلك الشخصيات. وهذا النوع من الأخبار تنتهجه الجماعات المتطرفة والإرهابية بغرض تجنيد الشباب، بزعم تآمر الغرب على المسلمين، وعجز الحكومات الإسلامية عن المواجهة. اختلاق وبث الشائعة لتحقيق مكاسب تجارية: قد يلجأ بعض المنافسين إلى الحد من مبيعات منافسه بطرق غير شريفة، من خلال بث الشائعات التي تدفع المستهلك إلى العزوف عن شراء السلعة المستهدفة، وهذا النوع من الشائعات يهدف إلى إلحاق الضرر بالمنافسين. ومن أبرز الحيل في تلك الشائعات التي تتحدث عن إفلاس مؤسسة مالية بغرض دفع المودعين إلى سحاب مدخراتهم منها. كما أن هناك من يحاول إلحاق الضرر بالمنشأة التي يعمل بها بالطريقة نفسها، ولكن بدوافع انتقامية مثل فصله من العمل أو عدم حصوله على بعض المزايا الوظيفية أو المالية. وتنتشر بين الحين والآخر رسائل تحذر من نوع من المياه أو المشروبات أو المأكولات، بحجة أنها تسبب أمراضا أو أن استخدامها قد ينتج عنه أمورٌ سلبية. كما تنتشر شائعات تهدف إلى الترويج لمنتجات بعينها وطرحها على أنها من جهات مختصة أو مراكز أبحاث. ففي إحدى المناسبات، تم نشر رسالة منسوبة إلى هيئة المواصفات والمقاييس والجودة السعودية تتضمن أفضل المنتجات في أصناف غذائية متعددة. وفي مناسبة أخرى، أطلق بعض منافسي أحد مطاعم الوجبات السريعة شائعة ضد نظافة اللحوم المستخدمة في هذا المطعم، وأنها تخلط بالديدان. وقد جاء رد الشركة بتنظيم حملة إعلامية، ارتكزت على نقطتين رئيسيتين: الأولى إبراز شهادات الجودة التي تلقتها سلسلة المطاعم من المؤسسات الرسمية، والأخرى بيان سذاجة الشائعة من خلال إيضاح أن البحث عن الديدان مكلف جدا، وأن كيلو جراما واحدا من الديدان تفوق تكلفته خمسة كيلوات من اللحم.