سورة الفاتحة سورة عظيمة، فهي أم الكتاب، وهي السبع المثاني، وهي رُقْيَة وشفاء، ولأهميتها فإن الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، لا تصح إلا بقراءتها، بل لابد من قراءتها في كل ركعة من ركعات الصلاة، فحاجة العباد إليها فوق كل حاجة، يقرؤها المصلي ويستشعر جواب ربه عند كل آية، فاذا قرأ المصلي «الحمد لله رب العالمين» قال الله {حمدني عبدي}، وإذا قرأ «الرحمن الرحيم» قال الله {أثنى عليّ عبدي} وإذا قرأ «مالك يوم الدين» قال الله {مجّدني عبدي}، فإذا قرأ «إياك نعبد وإياك نستعين» قال الله { هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل} وإذا قرأ {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال الله {هذا لعبدي ولعبدي ما سأل}. والمسلم وهو يسأل الله أن يهديه صراطه المستقيم، يستشعر الذين هداهم الله إلى صراطه المستقيم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فيطمع أن يكون معهم، فينشط، ولا يلتفت إلى الهالكين وكثرتهم، يقول ابن القيم رحمه الله: ولمّا كان طالب الصراط المستقيم طالب أمر أكثر الناس ناكبون عنه، مريدًا لسلوك طريق مرافقه فيها في غاية القلة والعزة، والنفوس مجبولة على وحشة التفرد، وعلى الأنس بالرفيق، نبَّه الله سبحانه على الرفيق في هذه الطريق، وأنهم هم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، فأضاف الصراط إلى الرفيق السالكين له، وهم الذين أنعم الله عليهم، ليزول عن الطالب للهداية وسلوك الصراط، وحشة تفرده عن أهل زمانه وبنى جنسه ممن خالف صراط الله المستقيم، وليعلم أن رفيقه في هذا الصراط هم الذين أنعم الله عليهم، فلا يكترث بمخالفة الناكبين عنه، فإنهم هم الأقلون قدرًا، وإن كانوا الأكثرين عددًا، كما قال بعض السلف: عليك بطريق الحق، ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل، ولا تغتر بكثرة الهالكين. وكلما استوحشت في تفردك، فانظر إلى الرفيق السابق، واحرص على اللحاق بهم، وغض الطرف عمن سواهم من مخالفيهم، فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئًا، وإذا صاحوا بك في طريق سيرك، فلا تلتفت إليهم، فإنك متى التفت إليهم أخذوك وعاقوك.. وانظر إلى الظبي فإنه أشد سعْيًا من الكلب، ولكنه إذا أحس به، التفت إليه، فيضعف سعيه، فيدركه الكلب فيأخذه، والقصد أن في ذكر هذا الرفيق (الذين أنعم الله عليهم): ما يزيل وحشة التفرد، ويحث على السير والتشمير للحاق بهم، وعدم الالتفات إلى التائهين والمثبطين.