كل قرية تطمح أن تكون مدينة، وكل مدينة يتمنى أغلب سكانها حياة قروية هادئة هانئة، وما من مدينة إلا وكانت قرية في زمن ما، القرية في زمن الإنسان هي كل ماضيه وجزء من حاضره، والمدينة في زمن الإنسان هي ما تبقى من حاضره والطريق نحو مستقبله، الناس في القرية أسرة واحدة حتى وإن جاءوا من أنساب شتى، والناس في المدينة مجرد جيران حتى لو كانوا أبناء رجل واحد. القرية لها أرض، وسماء، وشمس وقمر، ونجوم وغيوم في المدينة أيضا كما في القرية، لكنها لا تدخل ضمن تفاصيل حياة الناس. في المدينة تمر السنوات سراعا، فلا يشعر المرء بالانتقال بين مراحل العمر المختلفة، قد يفاجأ المرء بالشيب وما زال لديه بقايا من طفولة ومراهقة وفتوة، في الوقت الذي يعيش فيه القروي مراحل متقدمة من العمر وهو ما زال في ريعان الصبا. اليوم في المدينة ساعتان لا غير، ساعة النهار، وساعة الليل أما ساعة القرية فتفاصيلها تعادل أياما من أيام المدينة، شعار المدينة هل من مزيد، هذا لا يكفي، القرية وصلت إلى القناعة والسلام التي لا يكدرها إلا ما يصلها من عدوى المدينة. القرية شاشة رقمية عملاقة تعرض أفلاما وثائقية عالية الجودة عن الكون والحياة والإنسان، بينما تحول المدينة إنسانها إلى ترس أصم وأعمى في آلة عملاقة لا يعلم ما وظيفتها بالضبط ولكن المدينة أكثر لطفا بالفقير، وبالغريب، وبكل من يعتريه حالة بؤس القرية لا ترحم هولاء، بل قد تفقد بعضهم وقاره، وحتى عقله أخيرا. قد تكرمك القرية بأن تمنحك قبرا، لا يشاركك فيه أحد، في الوقت الذي توهمك المدينة بالقبر مؤقتا ليحتله غيرك طال الزمان أم قصر.