ما أجمل المقاهي حين تشكلت أروقتها بالصور، وأحاجيها بالعبر، وضوء الشموع والفوانيس ناحية (الرواشن) وهبوب الهواء.. وما أوحش تلك الجدران المُتفطرة، والكراسي المتهشمة، (والأراسي) الخاوية من ضجيج الأطفال. فقد اصطفت الفناجين حول بعضها بالخوف والارتجاف، بعد أن خلت من لون البُن المُحمص والرائحة الزكية فوق أطراف الشفاه.. ألم تُشعل سُمرة القهوة ذات سُويعة لهيب السحر؛ على صوت ملاعق السُكر، وسُلاف مقام الرست والصبا، وكذا الكورد والبيات والحجاز والنهاوند؟. نعم، للمقاهي صولة وجولة حول تلك الطاولات المُستدير والمُتسمة بالحميمية.. فهنا الأخبار المُثيرة للتعصب الرياضي والفكري، وهناك صخب المارة وزفير الدخان!. ألم يستدر في ذهنك الآن صوت أولاد حارتنا لنجيب محفوظ؛ أم أن لنوارس النيل شهقة من حنينٍ لمواسم الهجرة للطيب صالح بالسرد وألوان الصرير؟ إلى أن تنبهت من سُهادي وغشوتي، التي أطاحت بوسن نواظري على صوت (النقال) من تحت الوسادة! حيث كان مفاد الرنين والمكالمة: استنطق تقاسيم مقهانا الجديد بصوت يراعك وحبال شراعك؛ على مجمر البخور وأنواع العطور للخط العربي.. فاستنهضت عزيمة جثمان الصامت الأجوف من جيبي، وأخذت من حبره غاية ومداده رواية؛ ليكتب بعض المُحكمات صوب صارية التحفيز والتأثر: للحب جنة في القلوب، وللوطن تُربة للعشق، وصلاة للهيام.. فمتى يتجدد فينا وضوء الماء لكتابة النثر والقافية؟ للكتاب حديقة في بوصلة الوجدان، وطاقة من نخيل البيان.. فكن أنت بين أروقة الوعي، واجنح بتأملك لضفاف الأبحر والصواري. كلنا يُحب تصفح الكتب، وطرق أبواب المعاني.. فهل جربنا عزف الحروف على أوتار التأليف؛ أم أن غواني الاطلاع لم تُحدد وجودك؟!. للكتاب شارة واستثارة.. فعش الإيجابية على الدوام؛ كيما تبث روح التحدي والعطاء في جوف الباب من حولك بالابتسامة والإيثار. إذا ما أردت من نفسك شُعلة: أطلق صرير يراعك..واجنح بصهيل فكرك، واشدد شكيمة عزمك بين ميادين العلم، وأوسمة المعرفة دون الالتفات.