فرضيات أن الجسد والروح متمايزان جوهريًّا في طبيعتهما وجدت من قبل الميلاد، فقد كتب أرسطو (384 ق.م - 322 ق.م) أن الروح هي الخاصية التي يبديها الجسد ضمن خصائص عديدة أخرى. وأضاف أيضًا إنه في حال هلاك أحدهم سيهلك الآخر تبعًا له وكأن العلاقة بينهم تكافلية. أما في عصرنا الحديث فقد ذكر ستيفين كوفي في كتابه الشهير العادات السبع للناس الأكثر فعالية، أن ديمومة أي نجاح في أي مجال يعتمد أساسًا على الاستقامة والأخلاق والصدق وتجنب الظلم والتناغم مع المبادئ الكونية الثابتة (القوانين الإلهية) وأعتقد كوفي أن الإنسان مكون من أربعة كيانات (الجسد، والعقل، والقلب، والروح) وبحسب هذه الأجزاء حدد الحاجات الإنسانية بأربعة أشياء وهي الحاجة للعيش، والحاجة للمعرفة، والحاجة للحب، والحاجة لترك الأثر. لا شك أن كتاب العادات السبع للناس الأكثر فعالية من أروع وأقوى الكتب في تطوير الذات؛ ولكن يبقى السؤال، هل من السهل إشباع تلك الحاجات الأربع للوصول أو الاقتراب من كمال الذات؟ لابد من تخيل وجود العقل والقلب والروح والجسد في عالمك الخاص وأن لكل منهم استقلالية كاملة عن الآخر ما لم يحاول أحدهم السيطرة على الآخر. إذا استطاعت هذه الكيانات التعايش بسلام وتجنبت إشعال الحروب بينها ووتكاملت فسيتحتم الوصول لنقطة التطوير المنشودة من قِبل ستيفن كوفي ولكن الحقيقة هي وجود صراع أزلي بين العقل والقلب (العاطفة) وأن هذين الكيانين فقط من بين الأربعة هما وقود تلك الصراعات في عالم الإنسان. صراع كيان العقل و كيان القلب على السُلطة والتحكم في الأهداف والأفعال قديم، أما كيانا الروح والجسد فهما على الحياد من هذا الصراع ولا يرغبان الدخول في حروب طاحنة تلحق بهما الضرر بل ربما حتى الموت!. يتميز العقل بالذكاء والقدرة على التخطيط على المدى الطويل مع ضعف التأثير الآني على الصراع وربما خسر معارك كثيرة مع القلب! في المقابل لدى القلب قوة لحظية جبارة وقاهرة قادرة حتى على إرغام الروح والجسد على الدخول في المعركة بصفه لهزيمة العقل. لا شك أن رغبة القلب الجامحة في الانفراد بالسلطة والتحكم ببقية الكيانات لها عواقب كارثية حتى على القلب على نفسه، ولذلك تشير الدراسات الحديثة أن الأشخاص ذوو الذكاء العاطفي العالي (حيث يكون العقل في مركز التحكم) يكون لديهم علاقات شخصية أكثر نجاحًا وأقل عدوانية. كما أن ذلك لا يقتصر على المستوى المهني أو الاجتماعي فحسب بل يشمل بشكل أساسي كيفية استخدام العواطف بذكاء مع شريك الحياة والتعامل مع الأطفال. في كتاب «العقل فوق العاطفة» لكريستين باديسكي، طرحت الكاتبة فكرة (المعالجة النفسية المعرفية) والتي مفادها أن طريقة إدراكنا واستقبالنا لحدث ما أو تجربة معينة لها تأثير قوي على ردة فعلنا العاطفية والسلوكية تجاه الحدث، وبالتالي فإن طريقة فهمنا لمشكلاتنا النفسية تؤثر على طريقة تعاطينا معها. إن التخطيط المستمر لجعل كياناتك الأربعة تتعايش بسلام تحت حكم العقل الرشيد سيحقق الحاجات الأساسية للإنسان، وسيرفع من فعاليته في التحكم بذاته والتأثير بمحيطه.