سعدى لمن ملك روحاً تألف روحه، قلباً يسُكن لقلبه، ويدا تحتضن يده في سعده وبؤسه، وما أحوجنا لمن نأمن جانبه، ونستظل وارف عطائهِ، صدقاً وتصديقاً. ليس الصديق من تجاري في حديث، أو تستأنس بهِ طريقاً، فقد تجمع الطرق كل الملل والأهواء، الأضداد والأشباه، لكن الصديق وإن لم يجارِك دوماً، لكنه يصدقك قولاً وفعلاً، يقوم اعوجاجك، يبكيك إن أضحكك الآخرون تزلفاً وخديعة، لابتغاء منفعة من ورائك. صديقك يستشعر فرحك وترحك، وإن باعدت بينكما المسافات، إلا أن قلبه يسعد لسعدك، ويألم لحزنك، وإن استطاع أن يحمل عنك ومعك ما كان لا يتردد. الصداقة ليست بالمظاهر، ولا بالتكلف المُفضي لسيل من المجاملات، التي تبدأ من حيث لا تنتهي !. الصداقة الحقيقية مشاعر إنسانية سامية، صادقة الود والعهد، تأمن أن تعري روحك أمامه، لأنك تثق أنه يستر ضعفك، ويكمل نقصك، ويسد الخلل، عتابهُ سراً و غيابه تجُمل، يحفظ ودك، يصون غيبتك، درع في صدرك وسيف يحمي ظهرك. سعدى لمن كان له في زمانه صديق، صديق حقيقي وليس شبه صديق، فأشباه الأصدقاء كثر، ومتصنعو الود ألوان، وبات من الصعب في كثير من الأوقات التمييز أو التفريق بينهم، فالبعض يُجيد التلون حسب الموقف والأشخاص، فإن كنت قوياً كثر مُريدوك ومؤيدوك - أصدقاء المنفعة - والعكس إن لم تمتلك مقومات القوة كما يراها البعض. لكن إن كنت، لا بأس، فلن يقترب منك إلا الصادقون، فلا أنت يرجى ثوابك ولا يُخشى عقابك، وهي ميزة قد لا نعي عظيم نعمائها، فالنور لا يجلب إلا البعوض.