مهما قيل عن عبقرية الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - ونجابته، فهو من وجهة نظري فوق ما قيل عنه. وسنستعرض في الأسطر القادمة طرفا منها: عندما انتقل مع والده رحمه الله، وهو صبي من قطر إلى البحرين، سأله حاكمها آنذاك الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، أيهما أحسن قطر أم البحرين، فأجابه على الفور: الرياض أحسن منهما، فقال عيسى: سيكون لهذا الغلام شأن. وعندما كان في الكويت قال أحد العجمان المرافقين لأبيه: إذا أراد الله للمسلمين عزا، فسيكون على يد ابنك عبدالعزيز، فقال عبدالرحمن: وما يدريك قال: إذا ذهب مع إخوته إلى الأولاد وهم يلعبون، كان إخوته يقولون: من نحن معه؟، أما هو فيقول: من الذي معي. ومن القصص التي تدل على دهائه وحسن تصرفه، أنه عندما خرج مبارك بن صباح، لملاقاة عبدالعزيز بن رشيد في معركة الصريف، أحس الملك عبدالعزيز بفطنته وقوة فراسته، بأن الدائرة ستدور على ابن صباح، وخشي أن يخسر أبناء عمومته وأنصاره كقتلى في المعركة، فلما وصلوا إلى الشوكي، اقترح على الشيخ مبارك أن يقوم هو بالهجوم على مدينة الرياض، لكي يشتت ذهن ابن رشيد، ويجعله يحارب على جبهتين، وهو بهذا الرأي سيكون كاسبا في هاتين الحالتين، فإن تمت الهزيمة على ابن صباح، يكون هو قد نجا بأنصاره، وإن تمت الهزيمة على ابن رشيد، كانت خير مساعد له في الاستيلاء على مدينة الرياض. فلما أتاه خبر هزيمة ابن صباح وهو محاصر للرياض، قال مقولته الشهيرة: «الرأي قبل شجاعة الشجعان». وعندما كان في الكويت، خرج تحت إمرة الشيخ جابر بن مبارك، في طلعة استكشافية لمعرفة مكان العدو، فوجدا رجلين على ذلول، فسألهما الشيخ جابر، هل رأيتم أحدا، فقالا: لا، فكرر عليهما مرارا فأنكرا، فسمح لهما بالانصراف، ولكن الملك عبدالعزيز ذا الفراسة شك في كذبهما، فجذب الرديف، وألقاه أرضا، ثم اقتاده إلى شجرة قريبة، فطرحه خلفها، وأطلق بجانبه ثلاث طلقات، وقال إن تحركت، أو تكلمت قتلتك، ثم رجع إلى صاحبه وقال: إن صاحبك رفض أن يخبرني بشيء فقتلته، وإن لم تصدقني ألحقتك به، فاعترف، وأخبره بمكان العدو. هذه قبسات مختصرة من عبقريته وفطنته، وهي غيض من فيض، رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته.