بعد ظهر يوم شديد الحرارة، دخلت صالون الحلاقة مشحوناً بضغوط الحياة اليومية وهمومها المستقبلية؛ فلما جلست على الكرسي بدا لي كل شيء مستفزاً: الذبابة اللعينة التي كانت تحوم فوق رأسي، والزبون الذي دخل بعدي وبيده آيسكريم، وصديق الحلاق الجالس خلفي والذي صار يلاحقني بنظراته وكأنني لوحة أو ربما «لوح»، ثم تعليقات الحلاق على بعض الشيبات المتسللة بين خصلات شعري أو المدفونة تحتها والتي أظهرها مقصه الرقيب، وكذلك تهكمه على غيره من الحلاقين وكأنه الأفضل بينهم، علما بأنّ الحلاق نفسه كاد - قبل سنوات - أن يقطع شحمة أذني بتهوره وعدم انتباهه، ولكني سامحته آنذاك ولست أدري لم سامحته!. ناهيكم عن ثرثراته التي تجعله يتوقف حتى يكمل الحكاية وهو يؤشر بيديه، وبإحداها مقص يكاد يغرزه في عيني، وعطسته المفاجئة وكأنها هزة أرضية بقوة ست درجات على مقياس ريختر، ودندناته النشاز عندما يندمج في قص شَعري. فيا ليت شِعري.. أي استفزاز أشعر به؟ وأي صبر أحتاجه لأتخطاه بسلام؟! ثم إنني نظرت في أمري وتفكرت في شأني، فوجدت أن ما أظنه استفزازاً هو بمثابة (القشة التي ربما تقصم ظهر البعير). كحال الذي خسر تجارته ثم ضاع منه نصف ريال فبكى عليه، أو حال أولئك الذين تجثو على صدورهم جبال الأسى وأعباء السنين، فلم يعودوا يتحملون صوت بكاء طفل أو وجود «لمبة» مضيئة. أو كامرأة عانت من تنمر مجتمعها، ثم سمعت تعليقا عادياً من صديقتها فانفجرت في وجهها. آهٍ كم تُضَخ إلى أرواحنا وقلوبنا مشاعر سلبية ناجمة عن الخذلان، الاستغلال، العجز، البؤس، الإحباط والفشل، حتى يمتلئ الوعاء ويصل إلى النقطة الحرجة فيفيض فجأة - ولأبسط الأسباب - إن لم نفرغه باستمرار. كما أن الإنسان يتوتر ويخرج عن طوره إن لم يستطع التعامل مع الاستفزاز الأول، فإن تجاوزه بحكمة وهدوء كان ما يليه أخف وطأة وأقل صعوبة عند التعرض له. فإذا أراد حلها فعليه أن يلتفت إلى السبب الرئيس والمنبع الأصل الذي ولّد لديه تلك المشاعر وغذّاها. وسعوا صدوركم، وتغافلوا، فكل شيء بات مستفزا.