مع الازدياد المطرد للتحويلات المالية من المملكة إلى الخارج، برزت مخاوف من انعكاسات سلبية لهذا النمو، الذي لا تتناسب أرقامه مع حجم الاقتصاد السعودي، وسط مطالب بتخفيضها بنسبة لا تقل عن 25% سنوياًَ لحماية الاقتصاد والمجتمع، وتشجيع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، لتحل بديلاً منظما وقانونيا عن العمالة السائبة في كثير من المشاريع الحيوية. وبحسب البيانات الرسمية من مؤسسة النقد العربي السعودي، والمعطيات على أرض الواقع، فإنه من المتوقع أن تصل التحويلات الخارجية مع نهاية العام الحالي إلى 128 مليار ريال، ما يشكل زيادة تقدر ب16% عن عام 2011. عضو جمعية الاقتصاديين السعوديين عبدالحميد العمري، توقع أن تصل التحويلات الخارجية نهاية السنة الحالية إلى 128 مليارا، مشيراً إلى وجود نمو مطرد لعملية التحويلات المالية الخارجية، ونمو مطرد لرواتب الأجانب ولاستقدام العمالة الأجنبية، في حين أن وظائف السعوديين متدنية الأجور والمهارات ولا تتوافق مع مؤهلات السعوديين التي كلفت الدولة كثيرا. وأبدى العمري استغرابه وتعجبه من ترتيب السعودية العالمي في حجم التحويلات المالية إلى الخارج، حيث تراوح بين المركز الأول والثاني والثالث، في حين أن دولاً مثل أميركا والتي تكبر المملكة ب19 مرة، لم تتجاوز المملكة في حجم التحويلات الخارجية للأموال، مستنداً في حديثه إلى بيانات البنك الدولي. من جانبه ربط الخبير الاقتصادي فضل البوعينين، ضخامة حجم التحويلات المالية إلى الخارج مع حجم العمالة في البلاد ونظام التستر من جهة، مشيراً إلى أنه من الممكن أن يعتمد على حجم التحويلات المالية كمؤشر دقيق لحجم العمالة والإيرادات المتأتية من الأنشطة غير النظامية التي تدخل ضمن الاقتصاد الخفي "الاقتصاد الأسود"، مضيفاً أن ارتفاع وزيادة حجم التحويلات تؤكد على أن الجهود الموضوعة لمعالجة مشكلة العمالة الوافدة وأنشطة التستر لم تحقق هدفها بعد، بل إنه يمكن اعتبارها غير موجودة البتة. وأضاف البوعينين أن كثيرا من هذه الأموال يمكن تصنيفها ضمن عمليات غسيل أموال على أساس أنها جمعت بطريقة غير مشروعة، بل إن بعضها جمع من مصادر محرمة، مشيراً إلى أنها تؤثر سلبا على الاقتصاد السعودي وتؤثر على المجتمع بشكل عام ولها تأثيرات مباشره على الأمن. ودعا البوعينين إلى تضافر الجهود لضبط هذه التحويلات وخفضها بنسبة لا تقل عن 25% سنوياً لحماية الاقتصاد والمجتمع وتشجيع المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي من المفترض إن يقوم عليها سعوديون الذين يواجهون حالياً منافسة غير عادلة وغير شريفة من العمالة الوافدة ومن نظام التستر. وبالعودة إلى العمري قال إن زيادة توظيف السعوديين ستحد من التحويلات الخارجية، مشدداً على أهمية خلق فرص عمل للمواطنين، ومراقبة عملية الاستقدام، معللاً ذلك بأن الاستقدام يتم بشكل خارج عن السيطرة وبشكل مفرط فيه. وذهب العمري في حديثه إلى أن وزارة العمل أثارت ضجة حول تحديد حد أدنى لرواتب القطاع الخاص ب3 آلاف ريال، في حين أنها لا تعير اهتماما لتحويل مليارات الريالات إلى خارج البلاد، سواء كان عبر الأنظمة الرسمية أو عبر القنوات غير الرسمية، مضيفاً أن أرقام الحوالات الخارجية غير المعلنة تفوق بكثير المعلنة. أما البوعينين فأشار إلى أنه طالما أن نسبة المستفيدين من نظام حافز بازدياد، فإن ذلك مؤشر على أن معالجه البطالة لم تحقق هدفها بعد، إذ إن هناك بطئا في تنفيذ أنظمة توظيف السعوديين وأنظمه الإحلال بشكل عام. وقال البوعينين إن عملية توظيف السعوديين ليست بالعملية الصعبة فيمكن انتهاج عملية استراتيجية الإحلال المباشر للوظائف المشغولة من الأجانب، ويمكن تحقيق ذلك من خلال حصر الوظائف وفق توزيعها الجغرافي والاستفادة من قاعدة بيانات حافز لإجراء عملية الإحلال المباشر، مضيفاً: "وبهذه الطريقة يمكن خفض عدد البطالة والمستفيدين من حافز إضافة إلى خفض حجم العمالة الأجنبية، ومن جهة أخرى يجب خلق الوظائف من خلال المشروعات الضخمة التي تسندها للمستثمرين بحيث يتم الإعلان مسبقا عن الوظائف المخلوقة للسعوديين من خلال هذه المشاريع". ولفت البوعينين إلى تجربة الضغط على الشركات الكبرى بانتهاج مبدأ التدريب على رأس العمل بدلا من طلب الخبرات على السعوديين، مبيناً أن هذه ألاستراتيجية طبقتها أرامكو في بداية نشأتها ونجحت في تدريب وتعليم وتأهيل سعوديين وإيصالهم إلى مستويات ومناصب عليا، مستشهداً بوزير البترول والثروة المعدنية. وبالانتقال إلى تهيئة وتدريب الكفاءات السعودية، قال العمري إن تجاوز تكلفة التعليم العام والتعليم العالي خلال ال5 سنوات الماضية، بلغت أكثر من تريلون ريال، متسائلاً عن إنفاق الدولة لهذا الرقم في حين لا توجد سياسات نافذة لتوظيف تلك المخرجات، مشيراً إلى أن المقيدين في التعليم العالي يبلغ عددهم نحو المليون طالب وطالبة. وأضاف: "نسب الجامعيين في ازدياد، وكل ذلك لا يقابله فرص وظيفية ولم تفتح خيارات تنموية للشباب والبنات".