مع انتشار عدوى التوحد مع الأجهزة المحمولة، ومع التطور التقني الذي يرسخ ويتبنى قوالب معينة في مدى رؤيتك للأمور، التي تتطاير هنا وهناك خلف شاشتك المضيئة، فإن الأمر لا يخلو من الانغماس في خطة تسويقية ممنهجة، أعدت خصيصاً لك وفق منهجية العولمة والقرية الواحدة. على سبيل المثال حينما تستمع أو تشاهد مادة معينة، أصبحت ترندا هل من المفترض أن تنال منك كأغلبية الناس؟ وتنفي اختياراتك الشخصية وتفضيلاتها؟ لكي تصبح كالبقية في إيقاعاتهم المتوازية نحو ميولاتهم الترندية!! الصناديق المتعددة والتي تحمل الألبسة والعطور، والهواتف المحمولة المختومة برائجة أو ترند، ما هي إلا جزء بسيط ممنهج بخطة تسويقية معينة من كبرى الشركات العالمية، حتى تصبح كالقلادة في العنق تتحرك معهم في نفس الاتجاه. وبالتالي الخروج من مأزق القولبة، يحتاج إلى شخصية متفردة مهما كانت الإعدادات الافتراضية سهلة الاستخدام. فالأشخاص المبدعون في مجالاتهم، ومن قدموا إضافة أو قيمة خرجوا عن الأفكار التقليدية التي تُملى عليهم من قبل الآخرين، بل وفي بعض الأحيان استفادوا من التجارب السابقة في نظرة شمولية تخرجهم عن النطاقات التقليدية. ليس هناك داع لكي تشتري كتاباً أو عطراً، لأن شخصاً مشهورا يروج له، بغرض الدعاية المدفوعة له، فمشاركته لصورة الكتاب أو ماركة العطر لا تعني بأنه شخص قد قرأ الكتاب، أو أعجب برائحة العطر، وليس هناك سبب لكي تبدأ في عالم القراءة من ذلك الكتاب، الذي سوف تضعه في مكان ما حتى يعلوه الغبار والأتربة. الفكرة أن تتبع شغفك وأن تصنع عالمك الخاص بأفكارك، التي استلهمتها من الحياة ومن نفسك. أن تبحث عن سبل الإبداع في داخلك، أن تكون شخصا انتقائيا وليس اتباعيا ترنديا بلا هوية، ولا قيمة تتعامل مع العالم كما يريده لك، بلا تفكر ولا غاية مما يجعلك شخصا عديم الطموح ونسخة مشبعة بالسطحية. الإبداع هو التميز وليس التكرار، هو الشخصية المستقلة وليس الترند، فليس من المنطق أن تتحدث في كل الأمور، حينما يتحدث الآخرون عنها، فأنت لا تعلم كل شيء عن أي شيء، ذلك هو من يخرج لنا العقول التي تنضح بالتفاهة والسطحية المقززة. قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه «أظل أهاب الرجل حتى يتكلم، فإن تكلم سقط من عيني، أو رفع نفسه عندي» وأيضاً قديماً قال الفيلسوف اليوناني سقراط «تكلم حتى أراك». فالكلمة لها القوة والتأثير فيمن حولك، والانطباع لا يأتي إلا من الكلمة، وحينما تصبح شخصا تكتسي القوالب المعدة لك مسبقاً، وتفكر بنفس الطريقة وتصدق جميع الشائعات المتداولة، بل وتحاول نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي لأنك مؤمن بصحتها وأنت لا تعلم عنها شيئاً، فأنت بذلك أصبحت عبداً للترند الذي ستأتي جهة مسؤولة وتنفيه على الحال، لأنك لم تُعمر عقلك بالتفكير، بل أصبحت ظلاً للترند الخاوي من الصحة. التعامل مع الحياة وطريقة تفكيرك هما ما يحددان مصيرك في المجتمع، إما أن تكون مع القطيع، وأما أن تكون لك المكانة والمنزلة التي تبنيها باختياراتك، وما تقدمه لمجتمعك، فالعقول تبنى بالتأثير وليس بإعادة التدوير. أتحدث هنا عن السلوك الذي يكون شخصيتك، وقناعاتك، ورغبتك في التفكير والتعبير عن آرائك، فالعالم الرقمي إما أن يأخذك إلى مساحته الخاصة، ابتداء من استيقاظك من النوم، وحتى آخر ساعة تقضيها قبل النوم، وإما أن تصبح من الذين استطاعوا أن يقدموا طاقاتهم الإبداعية والإثرائية للوطن، بعلمهم وعملهم وتفردهم بأصالتهم. ليس هناك ترند يقيدك بأغنية ترددها، أو منتج تأكله، أو مقهى تتردد عليه، أو طريقة في اللباس، أو كلمة أصبحت ترندا، أو مقلبا منتشرا، جميعها أمور تؤثر في عقلك اللاواعي، وتصبح تفكر بالطريقة نفسها و الآلية ذاتها، وبالطبع المخرجات واحدة. إنما الانتقائية باتت مطلبا في العصر الترندي، لكي تصبح فريدا ببشريتك أولاً وبتجربتك الإنسانية، كونك إنسانا وليس ترندا.