لا توجد لوحات في أي مطعم، تطلب من الزبائن ارتداء لباس معين عند الحضور إلى المطعم لتناول الغداء أو العشاء. النظرة السريعة إلى أنواع الملابس التي يرتديها رواد كل مطعم، تشير إلى أن قائمة الطعام هي التي تحدد نوعية الزوار ولباسهم، بطبيعة الحال، كما أن الثقافة التي ينطلق منها الشخص في لباسه، تحدد أيضاً نوعية الأكل الذي سيتناوله! ربما يرمقك الناس بنظرات لا تنتهي حينما تدخل مطعماً من فئة الخمس نجوم وأنت ترتدي لباساً"عادياً"، في حين أن كثيرين ربما يسألونك عما إذا كنت أخطأت مكان الحفلة التي دعيت إليها، إذا ما دخلت أحد مطاعم"الكوارع"بعطر فواح ولباس مهندم. الثوب والشماغ السعوديان اللذان بدآ يختفيان بين رواد الوجبات السريعة fast food، يعدان لباساً أساسياً في مطاعم الفنادق الراقية، وتلك التي تزينها نجوم خمس. "لا يمكن أن أذهب باللباس الرياضي أو"الكاجوال"إلى أي مطعم من المطاعم الفاخرة، لأنني سأكون الوحيد بينهم"، هكذا يعلل وليد الحبس عدم ارتدائه"الكاجوال"في المطاعم الراقية، على رغم أنه يلبسها بشكل شبه دائم في حياته اليومية. وليد نفسه لا يعير لباسه أية أهمية عندما يتوجه إلى أي مطعم، باستثناء المطاعم الراقية. المطاعم الهندية التي تصنف من ضمن المطاعم الراقية الأغلى ثمناً، لا تناسب ريان كثيراً، فهي كما يقول"تتأخر في تقديم الوجبات، وترهق الموازنة"، وهو بطبيعة الحال معتاد على الوجبات السريعة، التي تصبح جاهزة حالما ينتهي من المحاسبة، ولا تكلف كثيراً. لهذا السبب قوبل اقتراح خالد لزميله ريان بالذهاب إلى أحد المطاعم الهندية بالرفض القاطع، فاللباس الذي يرتديانه لا يناسب جو المطعم الهندي، الذي ترتاده شخصيات كبيرة في السن، وفي المنصب أيضاً. الشبان الذين التقيناهم يتناولون العشاء في أحد مطاعم الوجبات السريعة المصنفة من ضمن الأغلى ثمناً، رفضوا التصوير بحجة عدم ارتداء اللباس المناسب، وحينما سألناهم لماذا يحضرون باللباس"غير المناسب"؟ أجابوا بأن رواد المطعم من الشبان، ويكفي أن يكون اللباس"لائقاً". "لائق"كلمة فضفاضة جداً، تشبه إلى حد كبير لباس الشبان في مطاعم الوجبات السريعة ذات الفروع المتعددة، وتحتار كثيراً في تصنيف لباس روادها، فأنواع اللباس بين ثياب النوم، والملابس الرياضية، و"الكاجوال". يعلل يوسف، اللباس الفضفاض الذي يرتديه في أحد المطاعم التي يرتادها الشبان، بأنه يأتي لأجل النزهة والالتقاء بالزملاء وليس لأجل الأكل فقط. ويقول:"هنا، سوف ألتقي العديد من الزملاء، ما يجعلني أحرص على ارتداء الزي الذي أراه يناسب طبيعة الشبان الذين يرتادون المطعم". ويشير إلى أنه لا يستطيع أن يذهب بلباسه ذاك إلى الجامعة،"فلكل مكان لباسه وخصوصيته". الفول لسد الجوع ربما تشعر بالنعاس حينما ترتاد أحد مطاعم الفول، سواء عند الصباح أم المساء، فالأجساد المصطفة أمام طاولة المحاسبة، أو تلك التي تجلس على طاولة الأكل، تتشابه في قسمات وجوهها وملابسها العادية جداً، وتوحي لك بأن الشخص استيقظ لتوه من النوم، أو أنه على وشك النوم. يرى أحمد نبيل، أن زيارته مطعم الفول إنما هي لسد الجوع فقط، والاتجاه بعدها إما إلى الفراش أو العمل، فهو لا يرتاد هذه المطاعم من أجل النزهة أو الاستمتاع، بل ليسكت جوعه، وهذا ما لا يجعله يدقق كثيراً في نوع اللباس الذي يرتديه. اختبار طريف قام به بعض الشبان، حينما وقفوا أمام تجمع للمطاعم، في محاولة لتخمين المطعم الذي كان فيه كل شخص يمر أمامهم. النتيجة جاءت حاسمة لصالح أحدهم، في تصنيفه رواد مطاعم الأرز و"المندي". ولدى سؤاله عن طريقته في معرفة الأشخاص، أجاب بأن عود الأسنان الذي يضعه الخارج من المطعم، إضافة إلى أن الثوب وطريقة وضع الشماغ بشكل ملتف على أعلى الرأس، يعطيان دلالة قاطعة على أن الشخص خرج لتوه من أحد المطاعم، التي اصطلح السعوديون على تسميتها مطاعم"المثلوثة". التجمع الذي كان يضم مطعماً للمشويات، وآخر للرز والمثلوثة، وثالثاً للأكلات المصرية، ورابعاً للوجبات السريعة، شكل فرصة رائعة لملاحظة نوعية اللباس الذي يرتديه رواد تلك المطاعم المختلفة. المقولة الرائجة"كل ما تريد والبس ما يريد الناس"، لم تعد ذات قيمة في زمن المطاعم، خصوصاً لدى الشبان. الانفصام الذي كانت تعاني منه الحكمة السابقة، أصبح في عرف الشبان شيئاً من الماضي، فالناس أصبحوا يراقبون ما تأكل كما يراقبون ما تلبس.