أكثر ما يؤرق الشعوب في العالم هو عدم الإتفاق على رأي واحد أو حتى عدم احترام هذه الآراء المختلفة، إنّ هذا الاختلاف الجذري في عملية التفكير نابعة من مشكلة واحدة لا غير وهي أنّ هذه العقول تعودت على التفكير بشكل برنامج الكتروني كالتي تصنعه الشركات العالمية مثل مايكروسوفت، بمعنى أقرب لواقعنا هو ما وجدنا آبائنا وأجدادنا يفعلونه، أو حتى ما تعلمناه منهم رغم اختلاف الزمان والمكان وتقدم الحضارات. كثير منا يتهمون الآخرين بالجهل أو الغباء ويجلس مع نفسه متربعاً كأنه امتلك المعرفة الكاملة في هذه الأرض وأنه الوحيد الذي يملك هذا السر دون سائر البشر ! الغريب في هذا المثال هو أن الأغلب لديهم نفس هذا الاعتقاد ! بمعنى أقرب للعامة، تجد الكثير من الأشخاص يكتبون على صفحاتهم على الفيسبوك أنه بدأ يحتقر جميع البشر لتفاهة تفكيرهم ودنيوية ثقافتهم ! الأغرب من هذا هو أنّ الآخرين يُعلقون على كلامه بأنه كلام صحيح وأنك أصبت في تفكيرك ورأيك، ألا يعلم هؤلاء الذين قاموا بالتعليق أنهم يندرجون تحت الفئة (جميع البشر) وأنهم هم من قصدهم الكاتب !؟ ما يثير الدهشة هو أن هذه الجملة تتكرر مراراً وتكراراً من أشخاص آخرين على صفحات الفيسبوك والتي تتهم الجميع بأنهم أشخاص لا يستطيعون التفكير !!؟ جلست مليّا أفكر، بما أن كل المجتمع يُطلق على كل المجتمع بأنه (جاهل) وكل المجتمع يرد على كل المجتمع بأنه أصاب حين قال ذلك، إذن أين هو ذاك المجتمع الذي يتكلمون عنه؟ فبدر إلى مخيلتي جواب سريع هل يعقل أن يكون هؤلاء أناس غزونا من الفضاء ويتهمون البشر بالجهل؟ جواب أضحكني كثيراً لأنه هو الرد الأنسب على هؤلاء. من أنتم لتتهمون الغير بالجهل وقلة المعرفة فقط لأنك قرأت كتاباً واحدا في حياتك !؟ أو ربما لأنك قمت بكتابة بوست على صفحتك الشخصية وأخذت قدراً كبيراً من عدد المعجبين !؟ فيبدأ هذا الشاب بانتحال الشخصية المثقفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والعمل بكل جهد على أن يبرز وينتقد كل المواقف السياسية والاجتماعية والثقافية وحتى الرياضية والفنية ، المهم أن يكتب أي شيء ينال استحسان من يقوم بوضع إعجاباتهم على ما يكتبه. ليس خطئاً أن تقوم بكتابة رأيك في أمور الحياة، بل بالعكس جميعنا يشجع على هذا ، ولكن عندما تصبح هذه الآراء هدفها جمع الإعجابات على مواقع التواصل الاجتماعي، هنا تكمن الكارثة، حتى الكاتب نفسه يناقض نفسه بين يوم وآخر وهو لا يدري ماذا كتب بالأمس!. على النقيض تماما هنالك أشخاص لم يتعبوا مخيلتهم حتى بمجرد التفكير أو حتى التمثيل بأنهم يمتلكون المعرفة وخلاصة الأمر، نحن في أمس الحاجة للعمل على الخروج من هذه القوالب الفكرية التي وجدنا أنفسنا فيها ابتداء من الآباء للمدارس للجامعات للمجتمع الذي نعيش فيه، أصبحنا شعب نسير بشريعة العيب فقط ، وإذا قام أحد بالعمل على التفكير انتحل شخصية التمثيل أيضا دون وعي كامل لما يقوله، ولكن هو أيضا قالب آخر تم صنعه باحترافية أعلى على مستوى أعلى من قبل شخص أكثر تأثيرا على أسلوب تفكيره . الحل هو عندما تفكر يجب أن تفكر بموضوعية وعقلانية من مبدأ الإنسانية ليس من مبدأ الحزبية ، أو لأن تنتصر لفئة معينة على أخرى فقط لأنك تكرهها، يجب أن نبدأ التفكير من مبدأ أنني أريد أن يفوز الفريق الذي أشجعه ليس لأثبت للآخرين بأن الفريق الآخر سيء وإنما لأن فريقي أنا أفضل. يجب أن نخرج من القوالب التي وضعها لنا المجتمع في التفكير، صغيراً كنت عندما أقترب من فرن المنزل الكل يصرخ بأن أبتعد عنه وإلا سأموت!!!، كبرت واكتشفت أنهم كانوا خائفين من أن أحرق نفسي ، عندما ينضج عقلك وتتسع مداركك ستكتشف أن ما كان محرماً بالسابق مجرد وهم صنعه لك غيرك خوفا عليك أو للحفاظ على راحتهم أو لأنها الطريقة الأسهل في ذلك ، اليوم أنا تخلصت من (عقدة الخوف من الفرن) وأشعله وأستمتع بصنع قهوتي مساء كل يوم.