خاضت الولاياتالمتحدة في تاريخها حروبا عدة، ولكن أطول حربين خاضتهما وانتهيا بلا انتصار، ودون إعلان هزيمة! أولهما، قصة الحرب الأمريكية الفيتنامية وما حدث في غمار تلك الحرب التي كبدت الجيش الأمريكي خسائر في الأرواح والعتاد وانتهت الحرب دون أن يحقق الأمريكان أي هدف أتوا من أجله، وهذه قصة تطول. وحديث الساعة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد حرب دامت لعقدين، قامت الولاياتالمتحدة بغزو أفغانستان في أكتوبر من عام 2001 للإطاحة بحركة طالبان، متهمة إياها بإيواء أسامة بن لادن وشخصيات أخرى في القاعدة مرتبطة بهجمات 11 سبتمبر على الولاياتالمتحدة. هذان العقدان من الحرب قتل من الجيش الأمريكي أكثر من 2300 جندي أمريكي، وإصابة عشرات الآلاف من الأمريكيين، وعدد لا يحصى من الضحايا الأفغان، من قتل وتشريد وتجويع وإلحاق الأذى بالآلاف جسدياً ونفسياً، أنفق على هذه الحرب أكثر من تريليوني دولار من أموال دافعي الضرائب الأمريكية، خرجت القوات الأمريكية تاركة قوات طالبان تحكم أجزاء كبيرة في أفغانستان، وقد تحكم أفغانستان مرة أخرى. إذاً ما فائدة الحرب الطويلة، ولماذا لم تتحدث أمريكا صراحة، وتقول إن الحرب أنهكتها ولم تعد قادرة على إكمال ما أتوا من أجله، خصوصاً أن طالبان ما زالت هي الحاكمة والمسيطرة على أغلب الأراضي الأفغانية. كان قرار حرب أفغانستان في الفترة التي حكم فيها بوش الابن الولاياتالمتحدة والتي كانت أسوأ مرحلة، في التاريخ الأمريكي مما اتخذه هذا الرجل من قرارات لم تكن مدروسة أو مبنية على معلومات صحيحة. مما جعل ممن أتوأ من بعده من الرؤساء يعانون كثيراً من آثار وما ترتبت عليه قراراته العدائية والهوجاء التي جعلت من أمريكا العدو الأول لكثير من الشعوب. هذا الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يطرح الكثير من التساؤلات، هل الحرب أنهكت أمريكا فعلياً ولم تعد قادرة على أعباء تكلفه الحرب؟! هل انتصرت حركة طالبان بعد عشرين عاما من الحرب؟! أم أن الانسحاب لتغير السياسة الأمريكية في المنطقة وبدء مرحلة جديدة؟! هل الأمريكان يجهلون أن للصين حدوداً مع أفغانستان ولن يتركوا فرصة الفراغ الذي سيحدثه الانسحاب الأمريكي؟! هل الولاياتالمتحدة تحاول الإيقاع بالصين في المستنقع الأفغاني؟!. لكن الأمريكان يعلمون جيداً أنه من الصعب أن تنطلي هذه الحيل على الصينيين!. إذاً هناك تساؤلات كثيرة مطروحة، لكن يبقى العنوان الأبرز والأكثر وضوحاً لكثيرين أن أمريكا تنسحب من أفغانستان بلا انتصار، وبذلك يضاف للتاريخ الأفغاني، هزيمة أمريكا بعد عقود من الغزو، لتلحقها بالخصم التلقيدي السابق الاتحاد السوفيتي، فكلتا هاتين القوتين العالميتين أتت لأفغانستان، وخرجت بهزيمة وفشل ذريعين.