في ظروف أفراح العرب الدورية، في الأعياد كالمعتاد، يستذكر أو يراجع العرب ذكريات الحرب والسلم العربي - الصهيوني وتجاربهما، ومن ذلك تجربة الصراع العربي - العربي، والصراع العربي - الصهيوني، والصراعات الأخرى الفكرية والثقافية والأيديولوجية. تُرى هل أنتجت تلك الصراعات، سواءً السلمية منها أو العسكرية أو الفكرية، حكمةً أو مجموعةَ حكم يُعتمد عليها في تكوين نظم وسياسات فاعلة يمكن أن تبني مشروعا عربيا وإسلاميا حضاريا جديدا، يجيد فنَّ الحرب والسلم وثقافته وأبجدياته وثقافته، ويتقن فلسفة قوانينه المعاصرة الحديثة التي انبثقت عن معامل وتجارب وصراعات سنين وأعوام، بل وقرون، نتجت عنها حضارة جديدة ووعي حضاري جديد؟. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل استفاد العرب بالأخص من تلك التجارب أم إنهم ما زالوا يتيهون في حلقة مفرغة بين ماضٍ بعيد وحاضر جديد؟. تُرى هل كانت الثورة العربية الأولى والثانية وما نتج عنها شيئا إيجابيا للعرب أم سلبيا على كيانها ووجودها؟ وهل معركة السلم والحرب والفكر اليوم معركة وجود أم حدود؟. المتأمل المشهد العربي اليوم ومكوناته يلاحظ بوضوح شديد أن العرب لم يستثمروا تلك التجارب بشكل أمثل، وفي بعض الجوانب لم يستثمروها أصلا، لذا منذ مائة سنة - ودون مبالغة - لا يوجد هناك مشروع عربي واحد، مُشاهد قوي، محدَّد ومضبوط، واضح المعالم، ناصع الألوان، عميق العُرى، يمكن الاعتماد عليه أو يمكن أن يقال إنه مشروع يوازي أو يضاهي أو ينافس مشاريع الأمم الأخرى التي استفادت من تجاربها الماضية مع نفسها أو مع غيرها. قد يقول البعض إن دستور العرب «القرآن»، فهل حوَّل العرب هدايات القرآن الكريم والهدي النبوي إلى مشروع أو مشاريع عملية؟ وما دور مفكري العرب ومنظريه في التجارب الأخرى من حولنا التي أرشد الوحي إلى الأخذ بها في الحياة المدنية؟. تجارب العرب إلى اليوم ما زالت في مرحلة مخاض عسير غير محدد الصفة أو الهوية، وهو ما يريده الغرب وغيرهم أن يكون العرب مذبذبين بين تجارب تقليدية قديمة أو تجارب مستنسخة غير مفيدة أو فوضى ضبابية ضعيفة غير واضحة ولا منتجة، ليظلوا جامدين غير مختلفين ولا متغيرين لما هو أقوى وأقوم وأهدى سبيلا.