لم يبق نظام بشار الأسد في سورية شيئا من الحاضر للسوريين، فقد هدم المدن على رؤوس أصحابها، وذبح الأطفال الذين يعول عليهم الوطن في مستقبله. لم يتبق شيء في حاضر السوريين يسندون عليه خشبة وجودهم، فالعالم من حولهم يمتلئ بالنار والدم، فما من شيء إلا وطالته آلة الدمار الأسدية الغاشمة، حتى الدراما التي كان يتباهى بها السوريون في الأيام الخالية، وقفت على حافة اللحظة التاريخية، لا لتنظر إلى الأمام بل لتتمعن في الماضي. هكذا خرج السوريون هذا العام من" باب الحارة" الشهير إلى خمسة مسلسلات تستحضر البيئة الشامية بماضيها المكتنز بقيم النبل والتضحية والوطنية. اليوم لا أحد يتحدث دراميا عن الوطن، لأن الوطن نفسه تجاوز الدراما إلى التراجيديا، وباستثناء حفنة من الموالين الذين يغطون جسد الوطن المهشم بشراشف مصنوعة في ماكينات النظام، أشاح بقية الفنانين السوريين بوجوههم عن حاضر الوطن الدموي وعادوا إلى ماضيه، أو تصنعوا الضحك رغم الجراح. فتح الفنانون السوريون هذا العام عددا كبيرا من الأبواب من بينها خمس حارات شامية، محمد الزيد وهو كاتب سيناريو جديد، كتب " زمن البرغوث" من إخراج أحمد إبراهيم وهو مخرج يظهر للمرة الأولى، ليعود إلى نهاية الحكم العثماني منتهيا بالاحتلال الفرنسي لسورية، وتدور أحداث المسلسل في حي الميدان الدمشقي الشهير، وهو الحي الذي يشهد اليوم دمارا واسعا ومظاهرات مستمرة ضد نظام بشار. في حين يعود السيناريست مروان قاووق بثلاث مسلسلات دفعة واحدة مستوحاة من البيئة الشامية وتدور أحداثها في عدد من حارات الشام التي استعار أسماءها من مخيلته، منها " طاحونة الشر " إخراج ناجي طعمة، وتتحدث عن فترة شهدت خروج العثمانيين من سورية، وتكتظ بالأحداث حين دخل الثوار السوريون دمشق ونصبوا فيصل الأول ملكا على سورية واندلاع الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي، وفي قصة مختلفة لكن أحداثها تقع أيام الحكم العثماني كتب مروان قاووق أيضا مسلسله الثاني "مختار حارتنا" من إخراج تامر إسحاق وفيه يركز على العادات والقيم الشامية، وبطش السلطة العثمانية، ومسلسل "لعنة قسم" من إخراج شفيق محسن. وعلى نفس الخارطة الدمشقية يأتي مسلسل "الأميمي" ويكشف عن حقبة تاريخية مهمة وعودة العثمانيين إلى حكم سورية. توقف عجلة الإنتاج نظريا كان يفترض أن ينتج السوريون ما يقارب 50 عملا تلفزيونيا حسب التقارير التي كانت ترصد الإنتاج السوري، غير أن ما أنتج منها فعليا هو أقل من النصف، ويعود ذلك إلى اعتبارات عديدة منها خروج عدد من المشتغلين في الدراما من سورية والتحاقهم بالمعارضة، الشيء الذي أدى إلى وجود طلب فاق العرض بكثير، فالعديد من الممثلين اعتذروا عن المشاركة في بعض الأعمال لارتباطهم بعقود أعمال أخرى، كما أن الخوف من مقاطعة الجمهور العربي لبعض الأعمال الدرامية التي يشارك فيها ممثلون موالون للنظام صرف النظر عن إنتاجها، ومعظم هذه الأعمال هي ذات طابع اجتماعي، وبقيت في الواجهة الأعمال ذات الطابع الشامي والأعمال التاريخية والأعمال الكوميدية. ففي مجال التاريخ أنتج السوريون 5 أعمال هي "الفاروق" سيناريو وحوار وليد سيف، وإخراج حاتم علي ومسلسل "حاتم طي" كتبه وفيق خنسه وأخرجه أحمد إبراهيم أحمد، و"حسن الخراط" سيناريو وحوار عباس النوري وإخراج سيف الدين السبيعي. و"رابعة العدوية" سيناريو عثمان جحا وإخراج زهير قنوع، و"المصابيح الزرق" عن رواية حنا مينا، سيناريو وحوار محمود عبد الكريم وإخراج فهد ميري. ويلعب الأدوار الرئيسية في هذه الأعمال أيمن زيدان في مختار حارتنا، رفيق سبيعي رغم سنه المتقدمة ويقوم بدور الزعيم في مسلسل "طاحونة الشر"، ويعود رشيد عساف الذي غاب العام الماضي عن شاشة رمضان للعب دور رئيسي في مسلسل "زمن البرغوث، أما مسلسل "الأميمي" فيجتمع فيه سلوم حداد وعباس النوري في شخصيتين متضادتين أحدهما يمثل السلطة العثمانية بينما يمثل عباس النوري الشخصية الشعبية ابن الحارة. غياب الكبار المخرج بسام الملا صاحب أطول تجربة في البيئة الشامية الذي أخرج "باب الحارة" يغيب هذا العام، ويغيب معه خالد تاجا أشهر من جسد الشخصية الشامية، وكذلك المخرج باسل الخطيب، وأيضاً المخرج عمر أميرالاي الذي تنبأ باندلاع الثورة قبل اندلاعها بشهر ونصف فقط، وأخرج آخر أعماله قبل رحيله "طوفان في بلاد البعث". وهناك عدد من المخرجين والكتاب والممثلين يزيدون عن 35 غادروا سورية والتحقوا بالمعارضة ومنهم الأخوان ملص والكاتبة ريما فليحان وكندة علوش ومي سكاف وآخرون ما يزالون في سورية ينتظرون المحاكمات على مشاركتهم في مظاهرات احتجاج لوقف القتل.