نداء صدح في مكة، ولاح صيته في أرجاء المعمورة، يستطب به العليل، ويستكثر من خيره الفقير، ويستغفر من ذنبه العبد الذليل، حيث مناجاة الخالق، وملاذ الخائف، ورجوى كل تائب، كالغرير بلا ذنوب. وما أجملها من بشارة حينما يأذن رب السماوات، وغافر الزلات، والعالم بالقلوب والسكنات، بمحو ذنوبك، ونيل مغفرته، لتعود من ذنوبك كيوم ولدتك أمك. حينما أمر الله نبيه إبراهيم عليه السلام «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» كانت البداية للحج للبيت العتيق، واستمر الناس في التردد وإقامة الشعيرة عاما بعد عام، حتى أصبح مما يطرب له العرب، ويفخر بإقامته ذو نسب، وتداوم على استمراريته وأمنه قريش، صونا للشرف والمكانة. تملكت الاصنام مكاناً في الكعبة، وابتعد الناس عن الطاعة والانقياد لله، بالعمل الى عبادة ما لا ينفع ولا يضر، ولا يغني من الله شيئا، فكان الفساد والشرك، والكثير من الخزعبلات، وطال الأمد بسوء النيات، وشر العبادات، حتى بلغ الفجور مبلغه، والشرك مأمنه، والفساد ذروته، الا أن الحج مازال عادة. بعث الله الهادي البشير، والسراج المنير، ليدعو الناس من عبادة الأصنام والعباد، إلى عبادة رب العباد. فكان نوراً للدنيا أضاء بها الحق، ونشر الخير، وسن منهج العدل القويم، بعبادة الله العظيم. فساد الخير وانتشر، وعرف الشر وقهر، وبلغ الدين والأثر أرجاء المعمورة وازدهر، فكان بلاغا للناس وهداية من رب البشر «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ». أوحى الله عز وجل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» ومنها فرض الحج في الإسلام، فكانت الفريضة ركنا من أركان الدين القويم، رحمةً من رب العالمين، وهدايةً للناس أجمعين، وتعظيماً لشعائر الله الرحيم. أزيلت الأصنام والحجر، وطُهر البيت من الرجس والدنس، ودخل النبي فاتحاً منتصراً، ناشراً للهداية والخير، فرِحاً بفتح مكة، وملبياً لنداء الحق سبحانه بالحج وتطبيق أركانه مخاطباً المسلمين: «خذوا عني مناسككم». فكانت حجة الوداع، حيث الوصف والتبيان، لتعظيم شعائر الرحمن، وهو بين ظهرانيهم معلماً، وموجهاً القلوب قبل الآذان، كي يُعبد الله على يقين، وتؤدى المناسك كما يجب أن تكون، فقد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة صلى الله عليه وسلم. ثم استمر البحث الشرف والمكانة، لمن تولى أمر الرفادة والسقاية، فكان للبيت رب يحميه، حيث حظيت المشاعر بالكثير من العناية منذ عهد الصحابة ومن تبعهم، فكان بالبيت العتيق الكثير من الإضافات، والعديد من التوسعات تبجيلاً لبيته العتيق، وتقرباً إلى الله العزيز. حينما وحد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، هذه البلاد المملكة العربية السعودية كان معتنياً بأمر الحرمين، ساعياً للعناية بهما، باذلاً الكثير تكريما لهما، وهو ما توارثه ملوك هذه البلاد، فنالوا شرف الخدمة للبيت العتيق، بأعظم توسعات، وأجمل إضافات، حتى أصبح الحرم جوهرة يصورها رائد الفضاء، كأجمل ما يكون على الأرض، فهنيئا لمن اعتَنى بالحرم. ولم يُكتَف بذلك فقد اعتُنِي بالمشاعر، من جبل الرحمة إلى الجمرات بمشاريع رائدة، وإضافات سنوية، ففي كل عامٍ ترى الجديد من المشاريع خدمةً للدين، وتسهيلاً للحجاج والمعتمرين. واليوم ! برغم الجائحة وما صاحبها، والاقتصاد العالمي وما رافقه، إلا أن المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، ماضية في خدمة البيتين والمشاعر المقدسة، بحسن تنظيم، وجودة مشاريع، وتطوير مرافق، لتسهم في حج آمن، بيسر وسهولة. فتقبل الله من الحجيج حجهم، وهنيئاً لمن نال خدمة البيتين والمشاعر، وبذل الجهد والوقت لكل حاج ومعتمر.