الحمد لله القائل في كتابه العزيز:{ ولٌلَّهٌ عّلّى النَّاسٌ حٌجٍَ البّيًتٌ مّنٌ اسًتّطّاعّ إلّيًهٌ سّبٌيلاْ } والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - القائل: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).. وبعد: فطوبى لكم أيها الحجاج لما وفقكم الله إليه من أداء هذا الركن العظيم من أركان الدين الإسلامي، ولما أنتم مقبلون عليه من مشاهد الخير وارتياد أمكنة الفضل، ومواقع المغفرة والرضوان، حيث ستطوفون ببيت الله الحرام، وتسعون بين الصفا والمروة، وتقفون بعرفات، وحيث ستنعمون بأيام العشر المباركة في أطهر البقع على وجه الأرض. ها أنتم أيها الحجاج الكرام تتعلق قلوبكم وترتبط نفوسكم، وأفئدتكم بتلك البلاد المقدسة، وتعيشون بأرواحكم في تلك المقامات الربانية التي اختارها الله في سابق علمه، وببالغ حكمته وإرادته لتكون منطلق الرسالات السماوية، وملتقى خير البشرية في كل زمان، وليشع منها النور المحمدي الذي أضاء أطراف المعمورة إيماناً ويقيناً، وعلماً، واستقامة، وعدلاً وإخاء، ومودة وسلماً، وأماناً. أيها الحجاج لا شك أنكم حينما تهبطون في هذه البقاع الشريفة، وتؤدون مناسككم ستأخذون مختلف العبر، وستعيشون مع تاريخ الدعوة، وأنتم في منطلقها، ومركز إشعاعها، وأمكنة تاريخها، حيث ستعود بكم الذكريات إلى ذلك الإيمان القوي، والعقيدة الراسخة التي كان يتمتع بها أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم طائفة قليلة تواجه ما تواجه من ألوان الضغط، وتقاسي ما تقاسي من ضروب المعاناة، وتدعو إليه من رشد وهداية، كما تذكرون تلك الدعوة الربانية التي جاء بها الإسلام، لينقذ البشرية من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة، ومن أوبئة التمزق، والحيرة، والتناحر، والتدابر إلى عهد الأخوة، والألفة، والتضامن. أيها الحجاج تذكروا تلك العقيدة الصحيحة التي تدعو أصحابها وذويها إلى عبادة الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفو أحد، فلا أوثان ولا أصنام، ولا قبور، ولا خرافات، ولا انحرافات، ولا ترهات تسيطر على العقول، وتتحكم في العباد فتقلبهم من التوحيد إلى الشرك، ومن عبادة رب العباد إلى عبادة العباد، والجماد، والعياذ بالله. أيها الحجاج حينما يشتد الزحام وتتراص الصفوف لا شك أنكم ستشعرون بالفخر، والاعتزاز وأنتم وسط ذلك الزحام المتكاتف، وفي خضم ذلك التيار الجارف من إخوانكم المسلمين القادمين من كل حدب، وصوب، ومن مختلف جهات المعمورة، ومن مختلف الجنسيات، والقوميات، يتجهون إلى قبلة واحدة، ويطوفون ببيت واحد، ويسعون سعياً واحداً، ويقفون موقفاً واحداً، ويلتفون حول عقيدة واحدة، بعد أن كان دعاة هذا الدين قلة مضطهدة لا تعتمد إلا على الله، ثم إيمانها به وصدق التوكل عليه، ولا عدة لهم إلا الصبر، والتضحية، والاستماتة ونبل المقاصد وسمو الأخلاق. وستلاقون في البقاع الطاهرة المقدسة التي أنتم عليها مقبلون إخواناً لكم من أقطار شتى، وشعوب إسلامية كثيرة قاصدين ما أنتم إليه قاصدون، مؤملين الثواب العظيم الذي أنتم فيه راغبون وله عاملون، فألفوهم، وعاشروهم معاشرة المسلم لأخيه المسلم، واربطوا بينكم وبينهم بأدق الصلات، واجتمعوا وإياهم على جميل المودة والإخاء وإياكم وأذيتهم ومضايقتهم: { فّلا رّفّثّ ولا فٍسٍوقّ ولا جٌدّالّ فٌي الحّجٌَ} أيها الحجاج اغتنموا هذه الفرصة في شرف الزمان والمكان والأيام المباركة والأراضي المباركة، اغتنموا ذلك بالذكر والدعاء، والاستغفار، واسألوا الله العلي العظيم من واسع فضله فإنه جواد كريم لا يرد سائلاً، اذكروا الله وأنتم ضارعون إلى الله في كل وقت بخالص الرجاء، وأنتم خاشعون سائلون الله أن يهب المسلمين النصر والتمكين والمدد الذي لا تغيب ولا تنضب روافده، والنصر الذي يمكنهم من استرجاع حقوقهم المسلوبة، والظفر الذي يعيد إليهم أولى القبلتين وثالث الحرمين، والهداية التي ترد كيد الكائدين، وتبطل عدوان المعتدين: { وكّانّ حّقَْا عّلّيًنّا نّصًرٍ المٍؤًمٌنٌينّ } ابتهلوا إلى الله ان يحفظ بلاد المسلمين برعايته، وأن يحفظ الأهل والاخوان بعنايته، ويبقي بلدان المسلمين عزيزة الجانب موفورة الكرامة عالية الذكر والصيت بالخير والإحسان، وأن يكتب لجميع الحجاج التوفيق والرشاد، ويسدد الخطى على محجة الصواب بعونه وطوله ومنه. أيها الحجاج هنيئاً لكم على ما وفقكم الله إليه من قصد، وما أوتيتم إليه من سعي، والله المسؤول أن يصلح أحوالكم، ويكتب السلامة لكم في حلكم، وترحالكم، ومتقلبكم، ومثواكم، ويعيدكم بمشيئته - عزَّ وجلَّ - إلى أوطانكم وقد غنمتم الأجر والمثوبة: {رّبَّنّا إنَّنّا سّمٌعًنّا مٍنّادٌيْا يٍنّادٌي لٌلإيمّانٌ أّنً آمٌنٍوا بٌرّبٌَكٍمً فّآمّنَّا رّبَّنّا فّاغًفٌرً لّنّا ذٍنٍوبّنّا وكّفٌَرً عّنَّا سّيٌَئّاتٌنّا وتّوّفَّنّا مّعّ الأّبًرّارٌ رّبَّنّا وآتٌنّا مّا وعّدتَّنّا عّلّى" رٍسٍلٌكّ ولا تٍخًزٌنّا يّوًمّ القٌيّامّةٌ إنَّكّ لا تٍخًلٌفٍ المٌٌيعّادّ }