أثار صعود الجماعات الإسلامية في أعقاب الربيع العربي حالة من الاستقطاب المجتمعي في العديد من الدول، خاصة العربية، إذ يتصدرون اليوم مشهد حركات الإسلام السياسي بعد أن استخدموا العنف الشديد في السيطرة على مساحات واسعة من الأراضِ، في محاولة منهم للسيطرة على الحكم، بعد تبنيهم أفكارا عديدة، وضعوها في عقول الشباب، لتجنيدهم، والسيطرة عليهم عبر المتاجرة بالمفاهيم من خلال التفسيرات الخاطئة للنصوص بهدف نشر أفكارها. تهدف هذه الجماعات لوضع الدين في مقابل الوطن لإحداث حالة من التشتت، وترسيخ مفاهيم مغلوطة، كأن الدين والوطن نقيضان، لضرب استقرار المجتمعات والتهوين من مكانة الأوطان، التي تعلي نصوص الشريعة الإسلامية منها، بل جعلت حب الأوطان جزءاً من عقيدة المسلم. وترى هذه الجماعات أن كل ما يساعد على بناء الدولة يضعف كياناتها، لأنها لا تقوم إلا على أنقاض الدول، فتستخدم الدين ومبادئه لا للدعوة إلى الإسلام، إنما للوصول إلى السلطة وتحقيق منافع وأهداف نفعية أو سلطوية، ما يمثل جريمة في حق الدين والناس. فيمكننا أن نقول الآن، إن هناك العديد من الجماعات الإسلامية التي نشأت، وبحسب عدة علماء كتبوا في السابق مقالات متنوعة عن مأزق الجماعات الإسلامية في العالم العربي، وذلك بعد أن تم حظر أقدم وأكبر منظمة إسلامية تعمل في العالم العربي وهي «الإخوان المسلمون» وصُنِّفت منظمة إرهابية في عدد من الدول العربية الأكثر نفوذا. وخسرت حركة النهضة التونسية أيضاً، التي يمكن القول إنَّها الحركة الإسلامية الأكثر براجماتية في الفكر السياسي بالمنطقة، خسرت الانتخابات البرلمانية، واضطرت مرارًا وتكرارًا إلى أن تنأى بنفسها عن المتشددين الإسلاميين الذين يهددون تونس الآن. وبالنظر إلى المغرب، نجد أنَّ حزب العدالة والتنمية هو أوَّل حزب إسلامي يقود ائتلافا حاكمًا في البلاد، ولكن قادة الحزب يدركون جيدًا المكانة الرفيعة التي تتمتَّع بها المَلَكية في النظام السياسي في المملكة المغربية. تحتَل الجماعات الإسلامية الأشد عنفًا صدارة المشهد الآن؛ فالتنظيمات الجهادية في العراق وسورية تسيطر على مساحة جغرافية أكبر من بعض الدول الأوروبية. إنَّهم يحاولون إحياء دولة تنتمي إلى القرن السابع الميلادي بينما نعيش في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ولكن دون الملامح الأخلاقية، والتاريخية، والثقافية التي جعلت الدولة التي تحاول تلك التنظيمات إحياءها بذرةَ لحضارة غنية. يرى الكثيرون أن مثل تلك الجماعات ظاهرةٌ عجيبة، لكن آخرون يرونها نتيجةً حتمية لعقود من الخمول، والتدنِّي الفكري، وفشل السياسات الاجتماعية والاقتصادية في أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي، خصوصًا في المنطقة العربية.