جماعات وتنظيمات الإسلام السياسي مجتمع هرمي مغلق ونفعي منظّم على غرار الطراز البلشفي للقيادة والسيطرة، أو الحركة الماسونية، وعلى غرار التنظيمات الأوروبية اليمينية الصارمة. فقياداتها، وكذلك الأعضاء، يعتنقون مفهوم الولاء المطلق والإيمان الكامل والطاعة العمياء كأسلوبٍ للتعامل في ما بينهم مع حدود قاطعة وفكر لا يقبل الاختلاف أو التعددية. ويؤمن هؤلاء، انطلاقاً من تلك العقلية الصفرية، بأن مجتمع التنظيم هو تمثيل حصري للطليعة القرآنية المؤمنة المنوط بها وحدها إعادة تأسيس الإسلام والتحدث باسمه في عالم اليوم، ومن ثم فإن كل شيء جائز إذا كان ضرورياً لجماعة التنظيم ومجتمعها. وهو ما تؤمن به هذه الجماعات والتنظيمات التي ولدت حقيقةً من رحم «الإخوان». وساهمت سمات التنظيم الشبكي في تماسك كل من هذه الجماعات ومواجهة ما تعرضت له من محن عبر تاريخها الطويل. ومن تلك السمات أواصر العقيدة والهوية مع سيطرة آليات التربية والتعبئة والتوظيف والترقية، فضلاً عن شبكات مصالح المال والعلاقات الاقتصادية والعلاقات الشخصية والعائلية، والولاءات العابرة للحدود الوطنية، والتعامل مع المختلفين معها إما بطردهم أو تقديم استقالاتهم أو قتلهم. كما يمتلك كل تنظيم منها بداية من الإخوان وصولاً إلى «داعش» ما يسمي بالتنظيم السري الخاص وجناحه العسكري والذي يستخدم العنف ضد مناوئي التنظيم ومعارضيه ومنتقديه بل وضد المجتمع الذي تمَّ تكفيره. وهذا المنهج ما زال مسيطراً على قيادات التنظيمات والجماعات الإسلامية كافة، بما يمنعها من احتواء غيرها والتوافق معه. وهذا ما أثبتته تجربتهم في مرحلة ما بعد الربيع العربي، فهي تعتبر نفسها مجتمعاً مضاداً ومؤهّلاً لتمثيل الشعب وقيادته إلى عالم جديد، بحيث تستبدل الدولة الحديثة القائمة بأخرى جديدة تسمى دولة «الإخوان أو القاعدة أو داعش»... الخ. جماعات الإسلام السياسي في مصر وبلاد أخرى كالجزائر وليبيا وسورية وأفغانستان تتعامل في شكل انتقائي مع الديموقراطية الليبرالية كأدوات فقط وأهمها العمليات الانتخابية، وهي لا تزال غير راغبة وغير قادرة على تحمّل مسؤولية إجراء تغييرات كبيرة في إيديولوجيتها، ولا سيّما مفاهيمها عن الهوية والمواطنة والحرية الدينية والحريات العامة والخاصة والمساواة بين الجنسين والسيادة الشعبية وحكم الشعب، خصوصاً أنهم لا يمتلكون نظرية واضحة عن الدولة يمكن ترجمتها إلى سياسة. إذ تلتزم كل من هذه الجماعات بإقامة دولة إسلامية تخضع إلى السيطرة الاستبدادية للجماعة أو التنظيم الذي احتكر التعبير عن قيم الإسلام نافياً هذا الحق عن الآخرين. وهذه الميول السلطوية هي الخطر الحقيقي على الهوية الوطنية والوحدة والأمن القومي والحريات والديموقراطية بل وعلى مستقبل الشعوب العربية والإسلامية. كما أن حالة الإنكار للحقيقة التي يعيشها كل أعضاء هذه التنظيمات والجماعات والحركات وعدم قبول غير ما يعتقدونه صحيحاً، يجعل كل منها متردّدة في الاعتراف بالأخطاء، وبسبب ذلك خسرت عبر تاريخها الطويل فرصاً لاحت لها للاندماج في المجتمع والدولة في مرحلة ما بعد الربيع العربي. إن الحديث عن فكرة المراجعات الفكرية داخل أي جماعة أو تنظيم إسلامي غير وارد الآن، لأنه يعني تخلي الجماعة وأعضائها عن الفكر المؤسس لها، كما يتجاوز نطاق الإصلاحات الضرورية قدرة أي من هذه الجماعات والتنظيمات على القيام بها، نظراً إلى طبيعة الأيديولوجية السائدة داخلها وهويتها ومهماتها وتنظيمها وقيادتها في الوقت الحالي. وهذا تطور ترفضه أي من هذه الجماعات في شكل قاطع، وهنا تكمن المشكلة الرئيسة لأن أية مراجعة لا بد أن تتطرق إلى: أولاً: المرجعية الدنيوية في السياسة، بمعنى أن السياسة عمل دنيوي يتعامل مع قضايا بحاجة إلى مراجع من خبراء الاقتصاد والبيئة والتجارة والهندسة والمواصلات والصحة والاتصالات والتكنولوجيا وغير ذلك. أما شيوخ المساجد وعلماء الحديث والتفسير والفقه وفرسان الفتاوى، فيجب حصر عملهم في ما يعرفون، ويجب ألا يتجاوزوا معارفهم إلى معارف الآخرين تحت غطاء الدين. ثانياً: المساواة بين الرجل والمرأة، فالوقت حان لأن تعلن الحركة الإسلامية موقفاً واضحاً من قضية المساواة بين الجنسين (وليس التكامل كما يصرون) فالحياة التي نعيشها اليوم تتطلب الخبرة والوعي والعلم من المرأة، بالمقدار نفسه الذي تحتاجه من الرجل من دون أي تفريق. ثالثاً: المساواة التامة بين أبناء الوطن. فالمواطنة المتساوية تماماً يجب أن تكون واضحة في فكر الجماعة حتى لا يخشاهم مسيحي أو كردي أو آشوري أو أرمني أو غير متدين. ليس من حقهم أن يفتشوا قلوب الناس ويصدروا الفرمانات في التحريم والتكفير والردة وما إلى ذلك. رابعاً: الإيمان بتداول السلطة. إذ يجب أن يكون هناك وضوح تام في مسألة الديموقراطية والقبول بتداول السلطة. فالديموقراطية ليست سُلماً يصعد عليه الإسلاميون إلى السلطة ثم يحرقونه خلفهم كي لا يصعد عليه أحد، حيث لا ديموقراطية في الإسلام كما كان يقول علي بلحاج أحد قادة التيار الإسلامي في الجزائر. خامساً: توضيح ازدواجية الوطن والأمة حيث تلام جماعات التيار الإسلامي بأن انتماءها للأمة الإسلامية أقوى من انتمائها لأوطانها، وهذا شيء خطير ويصيبها في مقتل.